فضل يوم عرفة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 5 ذو الحجة 1439هـ | عدد الزيارات: 1334 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لـه، ومن يضلل فلا هادي لـه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران:102، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

أما بعد أيها الأحبة :

نحمد الله الذي بلغنا هذه الأيامَ الفاضلةَ أيامَ عشرِ ذي الحجة، روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ. " . صحيح البخاري

قال المحققون من أهل العلم :نهار عشر ذي الحجة افضل من نهار العشر الأواخر من رمضان لما فيه من يوم عرفة ويوم النحر ،وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة لما فيها من ليلة القدر .

فضاعفوا الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة من تسبيح وتهليل وتكبير وقراءة قرآن وصيام وصدقة .

الله اكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
واحذروا من المعاصي في هذه العشر المباركة فإن الحسنات في الأيام الفاضلة تضاعف بالعدد والكيفية والسيئات تضاعف بالكيفية فقط هذا قول المحققين من أهل العلم .
عباد الله:
ما هي إلا أيام معدودة وتخفق قلوبنا فرحاً بدخول يوم عرفة اليوم التاسع من ذي الحجة يوم عظيم عند الله،
امتن الله به على عباده في هذا اليوم العظيم أن جعل صيامه مكفراً لذنوب سنتين ، إحداهما الماضية والثانية الباقية.
لما روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ."

فما أكرمه من جزاء، وأجزله من عطاء! صيام يوم واحد يكفر ذنوب أكثر من سبعمائة يوم

ومن فضائله أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار؛ أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن الخليل محمداً صلى الله عليه وسلم قال:

"ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ ".

أيها المؤمنون:

من أحب أن يكون من النار عتيقاً، فليضرع إلى ربه بالدعاء، وليُذرف دموع الحزن والرجاء، وليستغفر ربه من ذنوب طالما ارتكبها، متساهلاً بها .

أحبتي في الله :

ما أعظمه من مشهد يوم عرفة ترى الناس فيه من سائر البلدان قد لجئوا إلى ربهم وتضرعوا إلى مولاهم، بالحمد والثناء يلهجون، وبالبكاء والدعاء يضجّون، قلوبهم منكسرة، ودموعهم منهمرة.

فلو رأيتهم وقد سألوا ربهم خاشعين، ورفعوا أكف الافتقار إليه متضرعين، وذرفوا العبرات متذللين، يقولون يا ربنا لقد تعاظمت منا المعاصي والذنوب، وتراكمت علينا النقائص والعيوب، ونحن يا مولانا في عفوك طامعون، ولخيرك وجودك مؤملون، فنحن الفقراء إليك، الأسارى بين يديك، إن قطَعتنا فمن يصلنا؟ وإن أعرضت عنا فمن يقرّبنا؟ فارحم خضوعنا، واقبل خشوعنا، واجبر قلوبنا، واغفر ذنوبنا، وحقق لنا يا مولانا رجاءنا.

هذه حال عباد الله، وهذا هو تضرعهم وخشوعهم لربهم، قد تنوعت مآربهم ومطالبهم، واختلفت غاياتهم ومشاربهم، والله سميع عليم، غني كريم، ذو فضل واسع عظيم، لا يتبرّم بإلحاح الملحين، ولا بكثرة السائلين.

فيا من يطمع في العتق من النار، ثم يمنع نفسه الرحمة بالإصرار على الآثام والأوزار، تالله ما نصحتَ نفسك، ولم يقف في طريقك إلا أنت! ، فإذا حُرمْتَ المغفرة قلتَ أنَّى هذا؟ {قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران:165]. إن كنت تطمع في العتق فاشتر نفسك من الله.

أيها الأحبة:

انتهزوا فرصة نزول الله وقربه من عباده عشية عرفة، وعشية عرفة تبدأ بعد الزوال بعدما يصلى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا بأذان واحد وإقامتين، يتوجه الحاج إلى موقفه بعرفة، فيجتهد في الدعاء والذكر والتلبية ويشرع له رفع اليدين في ذلك مع البدء بحمد الله والصلاة على النبي ﷺ إلى أن تغيب الشمس.

وليبذل أحدكم جهده في سبيل تحصيل رحمة الله وغفرانه لتلك الذنوب التي رانت على القلوب فأمرضتها فكانت قيوداً على الجوارح تمنعها من التلذذ بطاعة ربها،.

فيا أيها الناس اتقوا الله، ولا تغترّوا بإمهاله وحلمه، فإنكم عما قليل مجازون على أعمالكم؛ وتفكروا في حال من سبقكم كيف هجم عليهم الموت بغتة وهم لا يشعرون، {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:205-207].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة،

هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المؤمنين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين .

أما بعد، أيها الإخوة :

استجيبوا لربكم ما دام أن الفرصة سانحة ، كما قال تعالى :{ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} [الشورى:47].

فيا من ظلم نفسه بالمعاصي صغيرةً كانت أو كبيرةً، تبْ إلى ربك قبل أن تموت، ويا ليت شعري! مَن منا يدري متى يموت؟.

ويكفي من فضل التوبة أن الله يفرح بها فعلى كل عبد أن يتوب إلى الله، فهي سبب النعيم، والنجاة من عذاب الجحيم.

( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الزمر:53-55].

وفي الحديث القدسي العظيم الذي رواه الإمام مسلم عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أن الله قال " "يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم".

اللهم اغفر ذنوبنا، وكفر سيئاتنا، وتداركْنا برحمتك ، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ولجميع المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم وفقنا في هذه الأيام المباركة للعمل الصالح فيما يرضيك واجعلنا ممن أدرك يوم عرفة فصامه إيماناً واحتسابا، اللهم أوصل الحجاج إلى الديار المقدسة سالمين واعدهم إلى ديارهم غانمين،اللهم وفق وليَّ أمرنا ووليَّ عهده لما تحب وترضى ، واجعل عملَهما في رضاك ، وهيّئ لهما البطانة الصالحة . { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } .[البقرة:201].

وصل اللهم على نبينا محمد .

1439/12/5 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي