عيد الفطر 9

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 1 ذو الحجة 1439هـ | عدد الزيارات: 1174 القسم: خطب العيدين

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَوْلَانَا، الْحَمْدُ الله حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الْجَاثِيَةِ 36، 37 ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأشهد أن محمداً عبده ورسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً . أما بعد ؛

أيُّها الناس:

عيدُكم مبارك، وتقبّلَ اللهُ منّا ومنْكُم صالحَ الأعمال. وهنيئًا لكمْ وأنتمْ تصعدون في مدارجِ الإحسان، بالأمسِ كنتُمْ معَ الصائمِين في مدرسةِ التقوى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 21] ، واليومَ ارتقيتُم معَ هذا العيدِ إلى مدرسةِ الشكر: (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 52] .

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ .

أيّها الإخوةُ الكرام :

اليومُ - في عيدنا- طَمْسُ الأحزانِ، ووَأَدُ الأتراحِ، اليوم نتعبدُ اللهَ فيه بالفرحِ كما تعبدّنَاهُ في رمضانَ بالخشوع، إنّه يومٌ تتكاملُ لنَا العبوديةُ في السراءِ والضراء، فإنْ كانَ لنا في رمضانَ قنوتٌ ودعاء، فَلَنا في العيدِ سرورٌ وهناء، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِم.

هذه الفرحةُ إذَا تمكنتْ في القلب، واستقرّتْ انقلبتِ الحياةُ كلُّها أعيادًا وأفراحًا. اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

إنَّ هَذَا اليومَ العظيم، توطئةٌ للمؤمنِ بالفرحِ الذي لا يعقُبُه حزنٌ أبدا، هذه الفرحةُ التي يجدُها المؤمنُ في قلبِه في هذا اليومِ العظيمِ تبعثُ فيه شوقًا إلى النعيمِ السرمديِّ -نسألُ اللهَ من فضلِه- وإنّ تحريمَ الصيامِ في هذا اليومِ العظيمِ لَيُذَكِّرُ المؤمنَ بعظيمِ الضيافةِ في الجنة: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)[الْحَاقَّةِ: 24]، وقد ذكر ابن رجب رحمه الله علة النهي عن صيام يوم العيد فقال : "ونُهُوا عنْ صيامِهم لأنّ الكريمَ لا يليقُ بهَ أن يُجيعَ أضيافَه".

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

أيها الأحبة :

اعلموا أنه لا يرى الجمالَ إلا الجميلُ، وَمَنْ كانتْ نفسُه بغيرِ جمالٍ فلنْ يرَى في الوجودِ شيئًا جميلًا،

فارفعْ رأسَك؛ واحترِمْ نفسَك فهي أجملُ مخلوق، وأعزُّ موجود.

فهنيئًا لمُوسِرٍ يزرعُ البهجَة في قلب فقير، ومُحسنٍ يعطِفُ على أرملةٍ ومسكينٍ ويتيم، وصحيحٍ يعودُ مريضًا، وقريبٍ يزورُ قريبًا.

العيدُ مُناسبةٌ كريمةٌ لتصافِي القلوب، ومُصالَحةِ النفوس، وإزالةِ كوامِن العداوةِ والبغضاء، وإدخالِ السُّرور، وحُسنِ الحديث، ولطيفِ المُتابعة، وأدبِ المعاملة، ورقيقِ السُّؤال، وتبادُلِ عباراتِ التهنئة .

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

لا يسعَدُ بالعيدِ منْ عقَّ والدَيْه، وحُرِم الرضا في هذا اليومِ السعيد، ولا يسعدُ بالعيدِ منْ يحسُد الناسَ، ويقطعُ رحمَه وجيرانَه وأحبابَه، وليس العيدُ لخائنٍ غشَّاشٍ يسعى بالفسادِ بينَ الأنام، ويأكلُ أموالَهم، ولا يحترمُ ضعفاءَهم، العيدُ لمن اتَّقى مظالِمَ العباد، وخافَ يومَ التناد.

العيدُ عيدُ مَن عفا عمّن هَفَا، وأحسنَ لمنْ أساء، العيدُ عيدُ من حفِظَ النفسَ وكفَّ عن نوازِعِ الهوى، يلبسُ الجديدَ، ويشكرُ الحميدَ.

العيدُ فرحةٌ وبهجة، فمن أحبَّ أن يُسامِحَه الناسُ فليُسامِحْهُمْ، ومن زادَ حبُّه لنفسِه ازدادَ كرهُ الناسِ له، والأُلفةُ دليلُ حُسْنِ الخُلُق، والنُفرةُ علامةُ سوءِ الخُلق، الابتهاجُ الحقُّ لمن قَبِل اللهُ صيامَه وقيامَه، وحسُنَت نيَّتُه وصلُح عملُه، وحسُنَ خُلُقُه وطابَت سريرتُه.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

عبادَ الله: وَمِنْ أعظمِ موجباتِ الفرحِ بالعيدِ: مَا نُشَاهِدُهُ هذه الأيام مِنْ انتشار الْإِسْلَامِ رَغْمَ ضَعْفِ المُسْلِمِينَ وَتَفَرُّقِهِمْ وشدةِ الحملةِ عليه؛ فهو دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ دينُ الْحَقِّ، ومنهاجُ الصدق، وعبيرُ الحياة.

وَمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ كَثْرَةِ الدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ رَغْمَ حَمَلَاتِ التَّشْوِيهِ الْقَوِيَّةِ ضِدَّ الْإِسْلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هدايةٌ ونور؛ وَلِذَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى- لِنَبِيِّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الزُّخْرُفِ: 43]، وقال تعالى: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)[النَّمْلِ: 79]، وَلَا يتزعزعُ فِي حَمَلَاتِ التَّشْكِيكِ وَالتَّشْوِيهِ إِلَّا ضِعَافُ الْإِيمَانِ، وَلَا يَبِيعُ إِيمَانَهُ فِيهَا إِلَّا أَهْلُ الدُّنْيَا، وبيّاعُو الأقلام، وَأَمَّا أَهْلُ اليقينِ والمعرفةِ فَلَا تَزِيدُهُمْ حَمَلَاتُ الْأَعْدَاءِ إِلَّا رُسُوخًا فِي الْحَقِّ، وَثَبَاتًا عَلَى الْإِيمَانِ، وَقُوَّةً فِي الْيَقِينِ، فتَمسَّكوا بدينِكمْ -رحمَكمُ الله-، وإيّاكمْ والتلوّنَ فإنَّ دينَ اللهِ واحد.

(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)[الْجَاثِيَةِ: 18-19].

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ والسنة، ونفعَنِي وإياكم بما فيهما منَ الآياتِ والحكمة،

وأستغفرُ اللهَ العظيم لي ولكم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي وفقنا لصيام رمضان وقيامه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خليل الله وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

أما بعد عباد الله اتقوا الله حق تقاته واستمسكوا بالعروة الوثقى واحرصوا على صيام الست من شوال لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله " رواه مسلم ؛ لإن الحسنة بعشر أمثالها ومن كان عليه قضاء فليبدأ بالقضاء وإلا فيُحتسب له صياماً عادياً.

والتزموا بشرع الله في أقوالكم وأفعالكم وصلوا أرحامكم ، فمتى يصل رحمه مَنْ لم يصلهم في العيد فبادر إلى البر والصله فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ . متفق عليه .

فهنيئًا للواصِلِ المبادرِ بهذه البشائرِ العظيمة، والأجورِ الكبيرة.

أيّتُها النساءُ الفاضلات: لقدْ كانَ من سنتِه -صلى الله عليه وسلم- أن يخصَّ النساءَ بحديثٍ في خطبة العيد، فَحُقَّ لكن أن نخصَّكِن بالخطاب، أداءً لكريمِ حقِّكن، وامتنانًا بعظيمِ دورِكِن، جعلكِن اللهُ مباركةً أينما كنتن .

فعزيزٌ على الأمةِ أنْ تُؤْتَى منْ قِبَلِكِن وتُنْقَضَ عُرَاها عَبْرَ بَوَّابَتِكن، فكنَّ واحةَ أمل، وجبلَ ثبات، ومنارةَ وعي.

أيَّتُهَا المسلمةُ: مجتمعُك محتاجٌ لعطائِك وَبَذْلِكِ، ورحمَ اللهُ من أعانَ على الدينِ بشطرِ كلمةٍ فكيفَ بمنْ تُربِّي أجيالًا؟!

وإياكِ إياكِ أنْ تجرُّكِ حظوظُ نفسِك إِلَى مَا لا ينبغي، فقدْ خلقَكِ اللهُ حرةً عاقلة، والعاقلُ ينبغي أنْ لا يؤذيَ نفسَه ولا أهلَه ولا من حوله.

وَثِقِي أنَّ اللباسَ الشرعيَّ المحتشمَ؛ دليلُ وعيِك، وأمارةُ علمِك، وليسَ وصايةً عليكِ، ولا تحجيرًا لحريتِك، والواثقةُ بهويتِها تمشي مَلِكَةً!

حفظَك اللهُ منْ كلِ سوءٍ ومكروه، وأسبغَ عليكِ نعمَه ظاهرةً وباطنة.

الله أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمد، وعلى آلِه وأزواجِه ، وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الراشدين الائمة المهدين أبي بكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودِك وإحسانِك يا أكرمَ الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، وانصرْ عبادَك المؤمنين.

اللهم انصرْ دينَك وكتابَك وسنةَ نبيِّك محمدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعبادَك الصالحين.

اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأيِّدْ بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرِنا، ووفِّقْه لما تحبُّ وترضى، وخُذْ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، ووفِّقْه لما فيه صلاحُ العبادِ والبلاد.

اللهم أبرِم لهذه الأمةِ أمرَ رُشد، يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك ، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عنِ المُنكَر، إنّكَ على كلِّ شيءٍ قدير.

اللهم احفَظْنا منْ شرِّ الأشرار، ومنْ كيدِ الفُجَّار، وشرِّ طوارِق الليلِ والنهار.

اللهم احْفَظْ علينا إيمانَنا وأمنَنا وعقيدتَنا، واجعلْنا شاكرينَ لنعمِك، مُثْنِينَ بِها عليكَ يا ربَّ العالمين.

اللهم اكشفِ الغُمّة عن هذه الأمةِ واجمعْها على الكتابِ والسنة.

اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كلِّ مكان، اللهم احقِن دماءَهم، وولِّ عليهم خيارَهم، واكفِهم شِرارَهم، وابسُطِ الأمنَ والعدلَ في ديارِهم، وأَعِذْهُم من الشُّرورِ والفتنِ ما ظهرَ منها وما بطَن.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

سبحانَ ربِّك ربِّ العزةِ عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين الصافات :180-182

1439/12/1 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة