الدرس 330: التوبة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 23 صفر 1439هـ | عدد الزيارات: 1528 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

التوبة هي: التخلي عن الذنوب من فعل محرم أو ترك واجب، ولها شروط هي

الأول: التخلي عن الذنوب

الثاني: الندم على الذنوب التي فعل

الثالث: العزم على عدم العودة إلى الذنوب

وإذا كان منها أخذ أموال الناس من اغتصاب أو سرقة أو احتيال فيجب عليه إرجاعها عليهم، أو أي حق للناس فيطلب منهم أن يحللوه منه، والواجب على المسلم التوبة الصادقة المستمرة من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، لقوله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلَكم جنات تجري من تحتها الأنهار) سورة التحريم، ولما روى مسلم عن الأغر المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة)

والبكاء وجلاً من الله وخوفاً منه وخشوعاً له سبحانه وإخباتاً له من صفات المؤمنين الصادقين، وقد أثنى الله على الباكين من خشيته، فقال تعالى (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق) المائدة: 83

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله) رواه الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما

لكن لا يشترط في صحة التوبة البكاء

ومن تاب إلى الله توبة صادقة فإن الله قد وعد بأن يقبل توبته، بل من كرم الله وجوده أنه سيجعل له مكان السيئات حسنات، قال تعالى (إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) الفرقان: 70، وقال تعالى (وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحاً ثم اهتدى) طه: 82

والشيطان يحرص على إغواء بني آدم وإيقاعهم في المعاصي والذنوب، فإذا أفلت إنسان من حبائله ورأى أنه قد أقبل على الله جاءه من طريق التشكيك في التوبة وتعظيم الذنوب في نفسه وأن الله لا يغفرها لكثرتها وعظمها وينسيه أن الله ذكر الشرك وهو أعظم الذنوب وأكبر المعاصي وذكر كبائر الذنوب ثم وعد بقبول التوبة لمن تاب إلى الله وعمل صالحاً، فإذا لم يجد الشيطان من الإنسان استجابة له فيبدأ بتذكيره بمعاصيه وذنوبه السابقة ليحزنه، قال تعالى (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) المجادلة 10

وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالاستعاذة منه، ووصفه بأنه وسواس خناس، فهو يوسوس للإنسان إلا أنه يخنس ويهرب عندما يستعيذ المسلم بربه، ويستعين به، قال تعالى (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس)

فعليك بالاستعاذة بالله منه، وأكثر من الذكر والاستغفار، ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه)

والتوبة مشروعة على سبيل الوجوب، إذا حصل من الشخص ما يوجب التوبة من ترك واجب أو فعل محرم، والتوبة من حقوق الله

والعمل الذي يشغل عن الفرائض لا خير فيه، ولا يجوز الاستمرار في عمل يصد عن الواجبات

والأصل في حقوق العباد فيما بينهم أنها مبنية على المشاحة، فلا تسقط بمجرد التوبة منها فقط، وإنما بردها إلى أصحابها أو استحلالهم منها، وإذا تاب العبد لله سبحانه توبة نصوحا من حقوق المخلوقين وعجز عن إيصالها إليهم لفقره أو جهله بهم فإن الله سبحانه يتوب عليه، ويرضيهم عنه يوم القيامة بما يشاء سبحانه، ومتى استطاع في الدنيا إيصالها إليهم أو استحلالهم منها وجب عليه ذلك، ولا تتم توبته إلا بما ذكر، لقول الله عز وجل (وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون) النور: 31، وقوله عز وجل (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن: 16

والمكلف الذي يترك الصلاة متعمداً يعتبر كافراً مرتدا عن دين الإسلام، ولا يُكفر ذلك عنه إلا التوبة الصحيحة، والمحافظة على الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم (بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) وقال تعالى (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) التوبة

يجب عليك أن تحمد الله جل وعلا أن وفقك للتوبة من الفاحشة، واحرص على مجالسة الصالحين، والإكثار من طاعة الله تعالى صلاة، وصياماً، وصدقة، وحجاً، واعتماراً، وذكرا لله جل وعلا، وعليك الابتعاد عن مجالس السوء ورفاق السوء

وأجمع المسلمون على أن فعل اللواط من الكبائر التي حرمها الله تعالى في كتابه، قال تعالى (أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون) 165-166، أي: متجاوزون من الحلال إلى الحرام

وأخرج ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ينظر الله إلى رجل أتى ذكراً أو امرأة في دبرها)

وينبغي لمن وقع في شيء من المعاصي أن يستتر بستر الله ولا يفضح نفسه، ويستغفر الله ويتوب إليه فيما بينه وبين ربه، لما أخرج الحاكم والبيهقي (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء من ذلك فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله، فإنه من يُبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) وذكر الذهبي أن أصله في الصحيحين

وأما الحد الشرعي لهذه الجريمة فمرجعه الحاكم الشرعي، هو الذي ينظر في القضية وملابساتها

وننصحك ألا تبلغ والديك بما مضى من ذلك الأمر، خشية حصول ما لا تحمد عقباه، وألا تذكر موضوعك هذا لأحد، ولا تفشه، بل اجعله سراً بينك وبين ربك، والله يتولاك بعفوه مع من وصفهم الله بقوله (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) آل عمران: 135-136

ولا تحدث نفسك بالانتحار، لأن الله يقول (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا) النساء: 29، وإن حديثك لنفسك بالانتحار من نزغات الشيطان

فسر في طريق الخير علماً وعملاً، عزيز النفس قوي العزيمة، ولن يضرك ما مضى ما دمت قد أقلعت منه وتبت منه ابتغاء مرضاة الله وخوف عقابه (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا) الطلاق: 4-5

الإصرار هو التصميم على الاستمرار في المعصية، أما إذا فعل المعصية ثم تاب منها توبة نصوحاً، ثم غلبته نفسه فعاد إليها، ثم تاب توبة نصوحا وعاد إليها وهكذا فلا يعد مصرا

الإصرار على حلق اللحية من الكبائر، والزنا واللواط ونحوهما من الكبائر، وكل له درجته من الإجرام، والذي يقدر جرم كل منها هو الله، فهو الذي يعلم درجة الشر في كل منها

كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين كل مسكين نصف صاع من أرز أو بر أو نحوهما أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام

وليس لأحد أن يحلف بحق القرآن، لأن حق القران تعظيمه منا واتباعه والإيمان بأنه كلام الله سبحانه، وهذه كلها من أفعالنا، والمخلوق لا يحلف به ولا بأفعاله، وإنما الحلف يكون بالله سبحانه أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته سبحانه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت)

وعليه التوبة إلى الله من العقوق لوالديه الميتين بالدعاء لهما، ويحسن بالصدقة عنهما، والحج والعمرة عن كل واحد منهما إذا كان قد حج عن نفسه

ومن تاب من الكسب الحرام وجب عليه التخلص من ذلك المال الخبيث، وإذا لم يستطع حصره أخرج ما يظن أن فيه براءة لذمته

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1439/2/23 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي