ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

التأخر عن الصلاة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 13 صفر 1439هـ | عدد الزيارات: 1565 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، أمر بالمسارعة إلى الخيرات، وحذر من إضاعة الأعمار والأوقات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، حث على المبادرة إلى حضور الجمع والجماعات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا

أما بعد، أيها الناس

اتقوا الله، واستجيبوا لنداء ربكم، حيث يقول (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) الحديد: 21

واعلموا: أن الأوقات تمضي، والأعمار تنقضي، قال صلى الله عليه وسلم (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) رواه الترمذي بسند حسن، والجنة لا تدرك بالتمني، ولا بشرف النسب، ولا بعمل الآباء والأجداد، ولا بكثرة الأموال والأولاد، قال تعالى (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضِعف بما عملوا وهم في الغرفات ءامنون) سبأ: 37

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم (من بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه) فالجنة لمن آمن بالله وعمل صالحا، ولو كان عبدا حبشيا، والنار لمن كفر بالله، ولو كان شريفا قرشيا

عباد الله: إننا نرى البعض يتكاسلون عن الأعمال الصالحة، وينشطون في طلب الدنيا، ويتوسعون في إعطاء نفوسهم ما تشتهي

فنرى البعض يسكنون بجوار المساجد، ولا يدخلونها، يجاورون المساجد ببيوتهم، ويَبعدون عنها بقلوبهم، وهذا دليل ضعف الإيمان في قلوبهم؛ لأن عمارة المساجد بالصلاة علامةُ الإيمان، قال تعالى (إنما يعمر مساجد الله من ءامن بالله واليوم الأخر وأقام الصلاة وءاتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولـئك أن يكونوا من المهتدين) التوبة: 18

ترى هؤلاء بالأسواق، لا يتجهون إلى المساجد، ولا يشاركون المسلمين في إقامة شعائر الدين (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) المجادلة: 19

حرموا أنفسهم أجر المشي إلى المساجد، وتكفير السيئات، وبقيت أوزارهم على ظهورهم

والبعض الآخر من الناس يأتون إلى المساجد في فتور وكسل، ويمضون فيها قليلا من الوقت على ملل؛ فالبعض منهم إذا سمع الإقامة جاء مسرعا ثائر النفس، ودخل في الصلاة، وهو مشوش الفكر، لم يراع أدب الدخول إلى المسجد، ولم يعمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقول (إذا سمعتم الإقامة، فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري ومسلم، وفاته أجر التقدم إلى المسجد، وانتظار الصلاة

عباد الله:

إن التأخر في الحضور إلى الصلاة كما أنه يفوت أجورا كثيرة، فهو أيضا يفتح باب التهاون بالصلاة، ويجر في النهاية إلى ترك صلاة الجماعة، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا، فقال لهم (تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)

فدل هذا على خطورة التأخر عن الحضور إلى الصلاة، وأن المتأخر يعاقب بأن الله يؤخره عن رحمته وعظيم فضله، ويكفي في التنفير عن التأخر أن فيه تشبها بالمنافقين الذين قال الله فيهم (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) التوبة: 54، وقال فيهم (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) النساء: 142

لقد أصبحت بعض المساجد تشكو من قلة المرتادين لها، والجالسين فيها لذكر الله، لقد فقدت الرجال الذين يسبحون الله فيها بالغدو والآصال الذين قال الله فيهم (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) النور: 37، فقدت العاكفين والركع السجود الذين يعمرونها آناء الليل وأطراف النهار، فقد كانت المساجد فيما مضى بيوتا للعبادة، ومدارس للعلم، وملتقى المسلمين ومنطلقهم، فيها يتعارفون ويتآلفون، ومنها يستمدون الزاد الأخروي، ونور الإيمان، وقوة اليقين، بها تعلقت قلوبهم، وإليها تهوي أفئدتهم، هي أحب إليهم من بيوتهم وأموالهم، فلا يملون الجلوس فيها، وإن طالت مدته، ولا يسأمون التردد عليها، وإن بعدت مسافته، يحتسبون خطاهم إليها ويستثمرون وقتهم فيها، فيتسابقون في التبكير إليها

أيها المسلمون: هذه حال السلف في المساجد، واليوم كما ترون كثر التأخر عن المساجد وقل الجلوس فيها، ففات بذلكم الخير الكثير على الأمة، وضعفت منزلة المساجد في قلوب بعض الناس، وقل تأثيرها فيهم، فظهر الجفاء، وتناكرت القلوب، وتفككت الروابط حتى صار الجار لا يعرف جاره، ولا يدري عن حاله إلا من عصم الله

فاتقوا الله عباد الله، وأعيدوا للمساجد مكانتها في قلوبكم، وبكروا في الذهاب إليها، وأكثروا من الجلوس فيها، واسمعوا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحث على المشي إلى المساجد، والجلوس فيها، لعلكم تذكرون

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته ببيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة) رواه البخاري

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) رواه مسلم

وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) رواه أبو داود والترمذي

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) رواه مسلم

عباد الله: لقد عظم الله شأن المساجد، وأثنى على الذين يعمرونها بالطاعة، ووعدهم جزيل الثواب (الله نور السماوات والأرض) النور: 35، وقال تعالى (والله يرزق من يشاء بغير حساب) البقرة: 212

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلم تسليما كثيرا

أما بعد، أيها الناس

اتقوا الله تعالى بفعل ما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه، فإن خير الزاد التقوى، يقول الله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)الجمعة:9

سمى الله هذا اليوم العظيم يوم الجمعة؛ لأن أهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع في المساجد الكبار لأداء الصلاة التي هي أعظم شعائر الدين بعد الشهادتين كما أن هذا اليوم قد اجتمع فيه من الخصائص ما لم يجتمع في غيره من أيام الأسبوع، ففيه كمل خلق السماوات والأرض، وفيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة الإجابة، وهي ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه

وقد اختار الله هذا اليوم العظيم لهذه الأمة، وأضل عنه من كان قبلها من الأمم، فاختارت اليهود يوم السبت، واختارت النصارى يوم الأحد، واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل الله فيه الخليقة، وقد أمر الله المؤمنين فيه بالاجتماع لعبادته بأداء صلاة الجمعة، وحثهم على المبادرة بالحضور إليها، والتفرغ لها من جميع أعمال الدنيا، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على التبكير في الحضور، والانتظار في المساجد، حتى تقام صلاة الجمعة، وأن يكون الإنسان على أحسن هيئة، وفي أجمل لباس، وأطيب رائحة، والاغتسال قبل الحضور

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) أخرجه الشيخان

فدل هذا الحديث على طلب التبكير في الحضور لصلاة الجمعة، وانتظارها في المسجد حتى تقام، وأن يشغل وقته حال الانتظار بالذكر وتلاوة القرآن

كما دل الحديث على أن الأجر يتفاوت بتفاوت الحضور، وأنه كلما بكر زاد الأجر، وكلما تأخر نقص الأجر، والساعة الأولى تبدأ بعد طلوع الشمس، فمطلوب من المسلم أن يتوجه إلى صلاة الجمعة من بعد شروق الشمس، ليحصل على هذه الفضيلة، وكان المسلمون إلى عهد قريب يبكرون في الحضور لصلاة الجمعة، ويملؤن المساجد بوقت مبكر

فاتقوا الله عباد الله، واهتموا بالحضور لصلاة الجمعة مبكرين (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) الحشر: 19

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على قائد الغر المحجلين محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب: 56

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا في الحد الجنوبي على الحوثيين

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، وارزقه البطانة الصالحة يا حي يا قيوم، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدا ما أحييتنا

اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين وتب على التائبين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.البقرة:201.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

1439-2-13

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 9 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي