فضل القرآن

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 23 ذو الحجة 1438هـ | عدد الزيارات: 1452 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي أنزلَ على عبدِه الكتابَ؛ ليخرج الناسَ من الظلمات إلى النور، وجعله أعظم معجزةً تتجددُ على مر الليالي والعصور، وتتحدَّى أهلَ العناد والفجور، وَحَفَظَهُ سبحانه من أن تمتدَّ إليه يدُ الفساد {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر:9، وأُصلي وأسلمُ على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

أما بعدُ: عبادَ الله؛ إنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله تعالى، نَزَلَ به الروحُ الأمينُ على قلب النبيِّ الأميِّ ذي الخلق العظيم؛ ليكون هُدًى للنَّاس وموعظةً ونورًا وشفاءً وتبصرةً وبرهانًا، قال جل وعلا{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} المائدة:16

لقد أنزل الله سبحانه وتعالى هذا القرآنَ العظيمَ على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تزكيةً للنفوس، وتبصرةً للعقول وتوجيهاً إلى الخير فهو نورٌ وبركةٌ وخيرٌ في الدنيا والآخرة، وشفيعٌ لأصحابه، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ) رواه مسلم.

وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به، تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ وآلُ عِمْرانَ، .. كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ ظُلَّتانِ سَوْداوانِ، بيْنَهُما شَرْقٌ، أوْ كَأنَّهُما حِزْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحِبِهِما) رواه مسلم.

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ. ) رواه البخاري.

ولقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم ويسره للذكر وسهله للمدارسة {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } القمر: 17، فالذين ءامنوا به وتلوه حق تلاوته وتدارسوه وتدبروا آياته واحتكموا إليه في أقوالهم وأفعالهم{أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (الأنفال4) {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } فاطر: 29 ، 30

فاغتنموا رحمكم الله تعالى فرصةَ العمر واكثروا من تلاوةِ كتابِ الله وتدبَّروا آياتِه واعملوا بهدي الله، فإن فيه السعادةَ والشفاءَ والنورَ والصفاءَ.

عبادَ الله؛ ليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أسوة حسنة حيث فهموا القرآن على الحقيقة فأقبلوا عليه يرتلون آياته ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار فكانت قلوبهم عند سماعه خاشعة وأعينهم دامعة إذا سمعوا آية عذاب أشفقوا وتعوذوا أو مرت عليهم آية رحمة فرحوا واستبشروا أو آية تنزيه لله تعالى نزهوا وعظموا أو آية دعاء طلبوا وتضرعوا وكان السامع منهم كالقارئ تعلوه السكينة والوقار يسبح عند آية تسبيح ويستغفر عند آية استغفار {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال2)

ولتلاوة القرآن الكريم آداب ينبغي مراعاتها أثناء التلاوة وذلك بأن يكون على طهارة وأن يستقبل القبلة إن أمكن وأن يستاك عند تلاوة القرآن الكريم وأن يتعوذ من الشيطان الرجيم لقوله تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } النحل: 98، ويقول مع أول السورة بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يقرأ قراءة مرتلة {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} سورة المزمل: 4، مع التؤدة والطمأنينة وتبيين الحروف والحركات والوقوف في تطبيق أحكام التجويد فإن ذلك أعون على فهم آيات القرآن الكريم وأن تكون قراءته لوجه الله تعالى وأن يقرأ بتدبر واستحضار قلب، قال تعالى {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} ص: 29

وأن يتحلى بأخلاق القرآن الكريم فيمتثل أوامره ويجتنب نواهيه فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوز أحدهم ما حفظ من آيات حتى يعمل بما جاء فيها من أحكام وإذا مر القارئ بآية رحمة سأل الله من فضله وإذا مر بآية وعيد استعاذ بالله من ذلك وإذا مر بآية استغفار استغفر ربه وإذا مر بآية تسبيح سبح بحمد ربه، ويستحب ترديد الآية للتدبر فعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يردد هذه الآية {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (المائدة 118) حتى أصبح

وإذا جلس المسلم مجلسا يستمع فيه إلى كتاب الله تعالى فعليه أن يتأدب مع الله جل وعلا بسماع كلامه مع الإنصات والهدوء والسكينة امتثالاً لقوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأعراف204)

فاحفظوا رحمكم الله تعالى هذه الأمور عند تلاوة كتاب ربكم، وأحيوا قلوبكم بكثرة تلاوته وسماعه نوروا به مجالسكم وبيوتكم يقول صلى الله عليه وسلم "وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ، " رواه مسلم .

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين يتلونه حق تلاوته ويعملون به وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ * قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} (الكهف1، 2)

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

أما بعد: عباد الله؛ إن من أفضل العبادات وأعظم القربات وأجل الطاعات تلاوة القرآن الكريم لما في ذلك من أجر عظيم وثواب كبير.

عباد الله؛ أحيوا قلوبكم بكثرة تلاوته وسماعه نوروا به مجالسكم، ولتكن القراءة قراءة تدبر وتطبيق وانتفاع بمواعظه واتباع لأوامره فالقرآن كما جاء في الحديث (والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، ) رواه مسلم

ثم صلوا على نبي الرحمة والهدى امتثالاً لقول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب56)

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين واهزم الكافرين ودمِّرْ أعداءَ الدين.

اللهم احفظ إمامنا وأيده بنصرك ووفقه لما تحب وترضى إنك على كل شيء قدير وأصلح أئمة المسلمين وولاة أمورهم واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك ، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء وسائر بلاد المسلمين { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} البقرة 201

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واكفنا شر أعدائنا ، اللهم اشرح صدورنا ويسر أمورنا واقض حاجاتنا واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

عباد الله؛ { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } النحل 90 ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } العنكبوت 45

1438-12-23 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي