ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 318: القضاء

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 7 ذو الحجة 1438هـ | عدد الزيارات: 1500 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

تدريس القوانين الوضعية أو دراستها لتبيين زيفها وتمييز حقها من باطلها ولتوضيح سمو الشريعة الإسلامية وكمالها وشمولها لكل ما يصلح به حال العباد في عباداتهم ومعاملاتهم جائز، وقد يجب إذا دعت إليه الحاجة إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل، وتنبيهاً للأمة وتوعية لها حتى تعتصم بدينها ولا تنخدع بشبه المنحرفين، ومن يروج لتحكيم القوانين، ومثل هذا العمل يجوز أخذ الأجر عليه

أما تدريس القوانين الوضعية رغبة فيها وترويجاً لها ومضاهاة لها بالتشريع الإسلامي أو مناوأة له فهذا محادة لله ولرسوله وكفر صراح وحيدة عن سواء السبيل، فأخذ الأجر عليه سحت وشر على شر

ولا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية إلا عند الضرورة إذا لم توجد محاكم شرعية، وإذا قضي له بغير حق له فلا يحل له أخذه

وعن تحكيم المسلم فإنه إذا كان هذا التحكيم الحاصل من باب الإصلاح فإن الرضا به والتزامه مستحب، لأنه يؤدي إلى صفاء القلوب من الحقد والغل والضغينة والانتقام

أما إذا كان التحكيم من باب القضاء والمحكم صالح للقضاء لعلمه وبصيرته فإن الحكم يكون ملزما للطرفين يجب تنفيذه

الشهادة

لا يجوز كتمان الشهادة، ومن كتمها فهو مخطئ وعاصي، ويجب عليه التوبة إلى الله تعالى (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) البقرة: 282

وقال تعالى (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) البقرة: 283

ولا يجوز أن يشهد الشخص إلا بما يعلمه برؤية أو سماع لقوله تعالى (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وقوله تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الإسراء: 36

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، قال (هل ترى الشمس، قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد أو دع) رواه الخلال

وشهادة الزور من كبائر الذنوب، ومن تاب وعزم على أن لا يعود إلى شهادة الزور مرة أخرى فتقبل توبته إذا صدق في ذلك ورد الحقوق إلي أهلها التي ضاعت عليهم بشهادته أو استحلالهم منها لقول الله سبحانه (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى: 25

فشهادة الزور محرمة مطلقاً، قال تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) سورة الحج: 30

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت) رواه الشيخان

فالشهادة بشيء لا يعلمه الشاهد محرمة، لكونها شهادة زور وقول زور، حتى ولو كانت لنفع أحد ودون الإضرار بغيره

أما الشهادة بنقل عن شخص آخر فتقديرها يرجع إلي القاضي

والحكم المبني على شهادة الزور في الظاهر لا يحل حراماً في الحقيقة، وإنما هي قطعة من النار يقتطعها المدعي بتلك الشهادة، وإذا ثبت أن الشخص شهد شهادة زور فإنه يعزره ولي الأمر بما يراه

التزوير

لا يجوز بيع ولا شراء شهادات الميلاد، ولا المساهمة فيها، كمن يبيع شهادة الميلاد الخاصة بعائلته على شخص آخر من أجل أن يساهم في هذه الشركات بأسماء أصحاب هذه الشهادات على أنهم أولاده، وهم في الواقع ليسوا بأولاده، وعلى الشخص أن يتعاون مع الدولة التي ينتسب إليها في تطبيق أنظمتها بما يخص هذه الشهادات، إذا كانت هذه الأنظمة لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، فإن هذا من التعاون على البر والتقوى، وقد أمر الله به في قوله (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة: 2

والخروج على الأنظمة بما يعود على الفرد والمجتمع والدولة بالفساد من التعاون على الإثم والعدوان، وقد حرمه الله تعالى بقوله (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ولأن هذا كذب، والكذب حرام، ولأنه من أكل أموال الناس بالباطل من الجانبين، لأن كل واحد منهما أخذ المال بطريق محرم، وهو الكذب والغش والخيانة للدولة

كما أن تزوير شهادة مدرسة حرام وكبيرة من كبائر الذنوب، سواء كان لغرض التعليم أو لغيره

وكذلك الشهادات الطبية التي يأخذها المسلم من طبيب ما، لتبرير غيابه عن الشغل بسبب مرض، والحق أنه إنما استصدر تلك الشهادة لتغطية غيابه لزيارة أهله فحكم هذه الشهادات التحريم لأنها كذب وزور

الحكومة الأمريكية تمنح الأشخاص الذين لا يوجد لديهم عمل مطلقاً تمنحهم مساعدة مالية، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وبعض المسلمين يحتال على الحكومة ليأخذها مع أن عنده عمل كسائق تكسي، أو بائع في بقالة، وهذا من الكذب والتزوير، وهو محرم ولا يجوز، سواء كانت الحكومة كافرة أم مسلمة، بل يتأكد على المسلم أن يري من نفسه وعمله الصدق والإخلاص، ورعاية الأمانة، حتى يعطي صورة صحيحة للإسلام والدعوة إليه بالعمل الصالح

لا يجوز للطلاب استخراج صكوك بإعالة أسر وهم بخلاف ذلك، لأن هذا من الكذب، ويجب التصدق بالمبالغ التي استلم بهذه الصكوك

من قلد مديره في العمل ووقع عنه الخطاب وبموجب ذلك صرف له زيادة في راتبه، هو من قبيل التزوير والكذب، لأجل أخذ المال بالباطل، وهو حرام شديد التحريم، ولا يحل ما أخذ بسببه من مال

الرشوة

لا يجوز الاحتيال لأخذ الرشوة

وأخذ الرشوة ودفعها للمرتشي وإيصالها من الراشي للمرتشي من كبائر الذنوب، لما روى أحمد عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لعنة الله على الراشي والمرتشي) ولما رواه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم) ولما رواه أحمد أيضاً عن ثوبان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما)

ما ذكر السائل من دفع مبلغ مقابل عقد عمل في الشركة الفلانية أو نحوها، فذلك من كبائر الذنوب، كما أن قبول ذلك المبلغ محرم أيضا، لأنه رشوة، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي، الحديث

فعلي السائل اجتناب ذلك وطلب الرزق من طريق حلال، فأبواب الكسب الحلال كثيرة، واتق الله وتوكل عليه، فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب

أخذ المال وأنت موظف في مركز حكومي أو أهلي بعد انقضاء حوائج المراجعين لا يجوز، لأنه من أكل المال بالباطل، ثبت في الحديث الصحيح أنه لما قدم ابن اللتيبة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بعثه عاملاً على الصدقات فقال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقام النبي صلى الله عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا، والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه يقول: اللهم هل بلغت. متفق عليه

وأما أخذ المال بطلب مباشر أو بالتلميح ونحو ذلك فهذا هو من طلب الرشوة

وأما أخذ المال مقابل التأخر مع المراجعين لإنهاء معاملاتهم، فإن العمل ليس مربوطاً به ولا بالمراجع، بل منوط بالمسئول عنه، الجهة الرسمية والجهة ذات العلاقة قد وظفته أجيراً عندها بأجر معلوم، فليس له أن يأخذ مقابل تأخره مع المراجع مبلغاً من المال من المراجع نفسه، وله أن يطلب من المسئولين عملاً إضافياً لإنهاء معاملات المراجعين

وبهذا يتبين أن المصادر التي يأخذون عن طريقها أموالاً مصادر ممنوعة، فيكون المال الوارد عن طريقها حراماً، فيجب التخلص منه برده، أو بالتصدق على الفقراء أو صرفه في بعض المشاريع الخيرية

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/12/7 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي