الدرس 311: العقيقة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 3 شعبان 1438هـ | عدد الزيارات: 1355 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيقة عن الذكر شاتين وعن الأنثى شاة واحدة كما شرع الأكل والإهداء والتصدق منها فإذا صنع من ولد له المولود طعاما ودعا بعض إخوانه المسلمين إليه وجعل مع هذا الطعام شيئا من لحمها فليس في ذلك شيء بل هو من باب الإحسان

من كان دخله لا يكفي إلا نفقاته على نفسه ومن يعول فلا حرج عليه في عدم التقرب إلى الله بالعقيقة عن أولاده لقول الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) سورة البقرة 286 وقوله (وما جعل عليكم في الدين من حرج) سورة الحج 78 وقوله (فاتقوا الله ما استطعتم) سورة التغابن 16 ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) ومتى أيسر شرع له فعلها

السنة أن يذبح عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الأنثى شاة واحدة لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) رواه أحمد والترمذي وصححه وعن ابن عباس رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا) رواه أبو داود والنسائي وقال (بكبشين كبشين) هذا هو الأفضل وأما الإجزاء فيحصل بما يجزئ أضحية

ويسن أن يعق عنه حينما يتيسر له ذلك ولو بعد سنة أو أكثر

فالعقيقة سنة مؤكدة عن الغلام شاتان تجزئ كل منهما أضحية وعن الجارية شاة واحدة وتذبح يوم السابع وإذا أخرها عن السابع جاز ذبحها في أي وقت ولا يأثم في تأخيرها والأفضل تقديمها ما أمكن

من اشترى ذبيحة ليذبحها عقيقة ثم حضر عنده ضيف وذبحها فالأقرب أنها لا تجزئه لكونه جعلها وقاية لماله سواء أخبر الضيف أم لم يخبره

فالعقيقة هي ما يذبح في اليوم السابع من الولادة شكرا لله على ما وهبه من الولد ذكرا كان أو أنثى وهي سنة لما ورد فيها من الأحاديث ولمن عق عن ولده أن يدعو الناس لأكلها في بيته أو نحوه وله أن يوزعها لحما نيئا وناضجا على الفقراء وأقاربه وجيرانه والأصدقاء وغيرهم

خروج الولد من أمه لستة أشهر حيا سن أن يذبح عنه عقيقة ولو مات بعد ولادته وذلك في اليوم السابع من ولادته ويسمى لما رواه البخاري عن سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى) وما رواه الحسن عن سمُرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق ويسمى) رواه أحمد وصححه الترمذي والعقيقة شاتان عن الغلام وشاة عن الأنثى لما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) رواه أحمد والنسائي بإسناد حسن

وإذا مات المولود قبل اليوم السابع فإنه يعق عنه في اليوم السابع وموته قبل اليوم السابع لا يمنع من ذبحها في اليوم السابع وتحديد اليوم السابع للذبح لا يؤخذ منه أن مشروعيتها لا تبدأ إلا في اليوم السابع فإن الولادة هي سبب طلب العقيقة واليوم السابع هو الوقت الأفضل لتنفيذ هذا الأمر المشروع ولهذا لو ذبحها قبل السابع أجزأت كما قال ابن القيم ومن وافقه من أهل العلم

ولا عقيقة عن السقط ولو تبين أنه ذكر أو أنثى إذا سقط قبل نفخ الروح فيه لأنه لا يسمى غلاما ولا مولودا

قلت: نفخ الروح بعد تمام أربعة أشهر أي في الشهر الخامس

وذهب الحنابلة وجماعة من الفقهاء إلى أنه يسن أن يعق عنه ولو بعد شهر أو سنة أو أكثر من ولادته لعموم الأحاديث الثابتة ولما أخرجه البيهقي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد البعثة وهو أحوط

س حصلت العقيقة بعد وفاة الطفلة وكان عمرها وقت الوفاة سنة ونصف وهل هذه الطفلة تنفع والديها ؟

ج نعم تجزئ ولكن تأخيرها عن اليوم السابع من الولادة خلاف السنة وكل طفل أو طفلة مات صغيرا ينفع الله به من صبر من والديه المؤمنين

وإذا مات الطفل صغيراً ولم يعق عنه إلى الآن وقد مات الأب فتعق الأم عنه ولها الأجر من الله على ذلك إن شاء الله

ولا يجزئ دفع الفلوس ونحوها

أما وقت تسمية المولود ففيه سعة فإن سماه يوم ولادته أو في اليوم السابع فقد ورد ما يدل على ذلك فروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي قال (أتي بالمنذر بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم على فخذه وأبو أسيد جالس فلهى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء بين يديه فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل من على فخذ النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الصبي؟ فقال أبو أسيد قلبناه يا رسول الله فقال ما اسمه قال فلان قال لا ولكن اسمه المنذر) وفي صحيح مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم) الحديث

يجوز أن يسمى المولود باسم أبيه ولا حرج في ذلك إن شاء الله سواء كان المسمى عليه حيا وقت التسمية أو ميتا

التسمية بعاشق الله سوء أدب مع الله ولا بأس بالتسمية بمحمد الله ومحب الله والأولى ترك ذلك والتسمية بالتعبيد لله أو نحو محمد وصالح وأحمد ونحو ذلك من غير إضافة فلا حرج

لا تجوز التسمية بعبد الفضيل أو عبد النبي أو عبد الرسول أو عبد علي أو عبد الحسين أو عبد الزهراء أو غلام أحمد أو غلام مصطفى أو نحو ذلك من الأسماء التي فيها تعبيد مخلوق لمخلوق لما في ذلك من الغلو في الصالحين والوجهاء والتطاول على حق الله ولأنه ذريعة إلى الشرك والطغيان وقد حكى ابن حزم إجماع العلماء على تحريم التعبيد لغير الله

وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة) رواه البخاري ومسلم

وللعلماء في ذلك مباحث:

أ. منها أن المراد بإحصائها معرفتها وفهم معانيها والإيمان بها والعمل بمقتضاها والاستسلام لما دلت عليه وليس المراد مجرد حفظ ألفاظها وسردها عدا

ب. ومنها أن المعول عليه عند العلماء أن تعيين التسعة والتسعين اسما مدرج في الحديث استخلصه بعض العلماء من القرآن فقط أو من القرآن والأحاديث الصحيحة وجعلوها بعد الحديث كتفسير له وتفصيل للعدد المجمل فيه وعملا بترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في إحصائها رجاء الفوز بدخول الجنة

ج. ومنها أنه ليس المقصود من الحديث حصر أسماء الله في تسعة وتسعين اسما لأن صيغته ليست من صيغ الحصر وإنما المقصود الإخبار عن خاصة من خواص تسعة وتسعين اسما من أسمائه تعالى وبيان عظم جزاء إحصائها ويؤيده ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما أصاب أحدا قط هم ولا حَزن فقال اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحا. فقيل يا رسول الله أفلا نتعلمها فقال بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها)

فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى استأثر بعلم بعض أسمائه فلم يطلع عليها أحدا من خلقه فكانت من الغيبيات التي لا يجوز لأحد أن يخوض فيها بخرص وتخمين لأن أسماءه تعالى توقيفية

د. ومنها أن أسماء الله توقيفية فلا يسمى سبحانه إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يسمى باسم عن طريق القياس أو الاشتقاق من فعل ونحوه

لا حرج في التسمي بجملة إلهي بخش التي معناها باللغة العربية (عطية الله) أو (هبة الله)

لا بأس من إضافة المخلوق إلى خالقه كبيت الله وناقة الله وعبد الله

لا بأس بالتسمي بهذا الاسم حسام الله

التسمية باسم عبد المطلب لا محذور فيها وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم في ابن عمه عبد المطلب بن ربيعة فيكون مستثنى من التحريم المجمع عليه كما قال ابن حزم

لا بأس بالتسمي هادي لأن لفظ الهادي اسم مشترك مطلق على الله وعلى غيره من الناس الذين يهدون غيرهم إلى ما ينفعهم كالرسل كما قال تعالى (ولكل قوم هاد) سورة الرعد 7

لا بأس من اسم قسم الله معنا عطاء الله لأن قسماً معناه عطاء وهو مصدر قسم يقسم قسما

لا بأس من التسمي فتح الباري لأنه بمعنى فضل أو فتح من الباري سبحانه وتعالى

لا بأس بتسمي الإنسان برقيب ولا يستلزم ذلك مشابهة الله لأن معنى الذي لله تعالى يليق به والمعنى الذي للمخلوق يليق به قال تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)

يجوز التسمي بعبد الشهيد فالله يوصف ويسمى بالشهيد

اسم جدك العلي والمراد به آل علي لا التسمية بالعلي

التسمية بعون الله لا بأس لأن المعنى عون من الله

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/8/3 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي