الدرس 310: باب الهدي والأضاحي

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 30 رجب 1438هـ | عدد الزيارات: 1472 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

من اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ثم عاد مرة ثانية وحج مفرداً فليس عليه هدي وهذا قول جمهور الفقهاء لعدم بقائه بمكة حتى يؤدي الحج

من اعتمر في أشهر الحج عن نفسه دون قصد الحج هذا العام إلا إذا وجد حجة عن غيره ثم وجد حجة عن الغير فعليه هدي إذا حج في عامه عن الغير لعموم قوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) البقرة: 196

فعم الله من قصد الحج وقت اعتماره ومن لم يقصد وهو في عمرته وعم من اعتمر وحج عن نفسه ومن جعل العمرة لنفسه ولمن حج لغيره ولم يفرق سبحانه بين ذلك في اعتباره متمتعاً ووجوب الهدي

من اعتمر في أشهر الحج ثم عاد إلى جده وهو ليس من أهلها ثم رجع وحج مفرداً فالصحيح من أقوال العلماء أن عليه هدي التمتع لإتيانه بالعمرة في أشهر الحج وعودته إلى جدة بعد عمرته لا يقطع تمتعه

من أحرم من قرن المنازل بالعمرة وبعد أدائها حل من إحرامه وتوجه إلى المدينة لزيارة المسجد النبوي وفي عودته إلى مكة للحج أحرم مفرداً من آبار علي فيلزم هدي فإن عجز صام عشرة أيام ومن عاد إلى بلده وهو لم ينحر الهدي عاجزاً عن الهدي أو معتقداً عدم وجوبه لأنه مفرد فعليه صيام عشرة أيام علماً بأن الهدي يذبح بالحرم المكي ويوزع على الفقراء وله الأكل منه

يجب على من حج قارناً أو متمتعاً هدي يذبح بمكة المكرمة فإن لم يجد صام عشرة أيام: ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده وعلى من لم يفعل ذلك وقد مضى عليه سنوات فعليه ذبح شاة بمكة تجزئ أضحية ومن ذُبح عنه أيام الذبح بمكة بإذنه أجزأ ذلك ولا تجزئ الأضحية عن الهدي

ومن عجز عن ذبح الهدي ومضى عليه سنوات وهو الآن عاجز يصوم عشرة أيام مجتمعة أو متفرقة والواجب عليه البدار في ذلك

يجب على من حج قارناً أو متمتعاً هدي وهو شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ولا يجوز له تأخير ما وجب عليه من ذلك مع القدرة عليه

أما في الأضحية فيكون عنك وعن زوجتك وأهل بيتك أضحية واحدة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي عن نفسه وأهل بيته في أضحية واحدة

يجب ذبح هدي التمتع والقران والأضحية في وقته المحدد وهو أيام الذبح يوم العيد وثلاثة أيام بعده أما ما وجب لترك واجب أو فعل محظور أو كان صدقة فيذبح بعد وجود سببه سواء كان في أيام الذبح أو قبلها أو بعدها مع وجوب المبادرة إلى أداء الواجب ويجوز تأخيره عن وقت وجود سببه

على من لم يذبح هدي التمتع في وقته لعجزه ثم استطاع بعد ذلك أن يذبحه قبل أن يصوم قضاء لا أداء في أي وقت بمكة المكرمة ويتوب إلى الله من تقصيره

دلت الأدلة الشرعية على أنه يجزئ من الضأن ما تم ستة أشهر ومن المعز ما تم له سنة ومن البقر ما تم له سنتان ومن الإبل ما تم له خمس سنين وما كان دون ذلك فلا يجزئ هدياً ولا أضحية وهذا هو المتيسر من الهدي لأن الأدلة من الكتاب والسنة يفسر بعضها بعضاً

ويشترط في الهدي والعقيقة ما يشترط في الأضحية فلا تجزئ العوراء البين عورها ولا المريضة البين مرضها ولا العرجاء البين عرجها ولا الهزيلة التي لا تنقي

محل الهدي الحرم المكي فيجب ذبح جميع الهدي التمتع والقران في داخل الحرم ولا يجوز الذبح في بلد الحاج غير مكة إلا إذا عطب الهدي المهدى إلى مكة قبل وصوله إليها فإنه يذبحه في مكانه ويجزئ عنه وكذلك في المحصر عن دخول الحرم ينحر هديه حيث أحصر

القانع هو السائل الذي يطلب العطاء مأخوذ من قنع يقنع قُنوعاً والمعتر هو الذي يتعرض للناس دون سؤال ليعطوه وقيل القانع الراضي بما عنده وبما يُعطى من غير سؤال مأخوذ من قنعت قناعة

المعتر هو المتعرض للناس مع سؤالهم العطاء

ومعنى الآية أن الله تعالى أعطانا الإبل والبقر والغنم وسخرها لنا وجعل لنا فيها كثيراً من الخير والمنافع وشرع لنا أن نتقرب إليه منها بنحر الهدي في الحج والعمرة وذبحها أضحية في عيد الأضحى وأن نأكل منها ونطعم السائل والفقير المتعفف مواساة لهم ورجاء الأجر والمثوبة وشكراً لله على نعمه قال تعالى (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) الحج: 36

ولا يجزئ ذبحه في غير مكة وما حولها من الحرم وإذا لم تجد في منى من يأخذه من الفقراء فاذبحه في داخل مكة لأن فيها فقراء كثيرين

والمشروع في هدي التمتع والقران وما يساق من الحل إلى الحرم أن يتصدق منه ويهدي ويأكل أثلاثا وإن أكل أكثر من الثلث فلا بأس

والدم الواجب غير هدي التمتع والقران كالفدية من الأذى ودم جبران النسك ودم جزاء الصيد ودم المنذور ونحوها لا يجوز لمن وجبت عليه الأكل منها وإنما يتصدق بها على الفقراء وما وجب منها في الحرم أو الإحرام فهو لفقراء الحرم

والمشروع في ذبح هدي التمتع والقران أن يكون في منى أو مكة أو في موضع من الحرم لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه بمنى وقال (نحرت ههنا ومنى منحر وفِجَاج مكة كلها طريق ومنحر)

ومن كان قادراً على الهدي فلا يجزئه الصوم وعليه أن يذبح الهدي في مكة بنفسه أو وكيل ثقة

ومن لزمه هدي تمتع أو قران فلم يجده وقت الذبح لعذر شرعي وقد فاتت عليه أيام الحج التي يصوم فيها من لم يجد الهدي ثلاثة أيام فإنه يصوم عشرة أيام كاملة إذا رجع إلى أهله ولا يلزمه التأخر بمكة حتى يصوم الثلاثة أيام لأن وقتها قد فات

المراد من قوله تعالى (حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أهل الحرم

الأضاحي

روي عن قتادة وعطاء وعكرمة أن المراد بالصلاة والنحر في قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) هو صلاة العيد ونحر الأضحية. أخرجه ابن جرير

والصواب أن المراد بذلك أمر الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يجعل صلاته فريضة كانت أو نافلة ونحره وذبحه خالصاً لله وحده لا شريك له كما في قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام: 162-163

أما سنة الضحية فقد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً وليس بلازم أن يكون كل حكم في القرآن تفصيلاً بل يكفي في الحكم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ * وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)

وتسن الأضحية بالنسبة للمكلف المستطيع ويجوز اشتراك سبعة في واحدة من الإبل سنها خمس سنوات أو أكثر أو في واحدة من البقرة سنها سنتان فأكثر وتجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته سنها سنة فأكثر إن كانت من المعز أو ستة أشهر فأكثر إن كانت من الضأن

يشرع في حق من أراد أن يضحي إذا أهل هلال ذي الحجة ألا يأخذ من شعره ولا من أظافره ولا من بشرته شيئاً حتى يضحي لما روى الجماعة إلا البخاري رحمهم الله عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله قال (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) ولفظ أبي داود ومسلم والنسائي (من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ومن أظفاره شيئاً حتى يضحي) سواء تولى ذبحها بنفسه أو أوكل ذبحها إلى غيره أما من يضحي عنه فلا يشرع ذلك في حقه وأفضل الأضاحي البدنة ثم البقرة ثم الشاة ثم شرك في بدنة -ناقة أوبقرة- لقوله صلى الله عليه وسلم في الجمعة (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) أخرجه البخاري ومسلم

والرسول صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين واختار غير الأولى رفقاً بالأمة لأنهم يتأسون به ولا يحب أن يشق عليهم

والأضحية تتعين بشرائها بنية الأضحية أو بتعيينها فإذا تعينت فولدت قبل وقت ذبحها فاذبح ولدها تبعاً لها ووقت الذبح يوم العيد بعد الصلاة وقدرها في حق من لا صلاة عنده كالبادية لما روى جندب بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى) أخرجه مسلم

وعليه بالتسمية والتكبير عند الذبح لما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين ذبحهما بيده وسمى وكبر)

ويجوز أن يضحى عن الميت لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم

ويجوز لنا أن نطعم الكافر المعاهد والأسير من لحم الأضحية ويجوز إعطاؤه منها لفقره أو قرابته أو جواره أو تأليف قلبه لأن النسك إنما هو في ذبحها أو نحرها قرباناً لله وعبادة له وأما لحمها فالأفضل أن يأكل ثلثه ويهدي إلى أقاربه وجيرانه وأصدقائه ثلثه ويتصدق بثلثه على الفقراء وإن زاد أو نقص فلا حرج والأمر في ذلك واسع يعطي الكافر من لحم الأضحية إذا لم يكن حربياً ولم تكن واجبة كالمنذورة لقوله سبحانه (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة 8)ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن تصل أمها وكانت مشركة. رواه البخاري

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/7/29 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي