الدرس 307: أحكام في الحج

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 13 رجب 1438هـ | عدد الزيارات: 1438 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عرفات كلها من الشعائر التي أمر الله تعالى أن يؤدى فيها نسك من مناسكه، وهو الوقوف بها في اليوم التاسع من ذي الحجة وليلة عيد الأضحى، وليست مساكن للناس، فلا حاجة إلى بناء مسجد أو مساجد بها أو بجبلها، المعروف عند الناس بجبل الرحمة ، لإقامة الصلوات بها، وإنما بها مسجد نمرة بالمكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر في حجة الوداع، ليتخذه الحجاج مصلى لهم يوم وقوفهم بعرفات ، يصلي به من استطاع صلاة الظهر والعصر ذلك اليوم

من كان معهم عوائل يخشون عليها من االزحام في المبيت بمزدلفة إلى طلوع الفجر فلا حرج عليهم من المسير من مزدلفة بعد نصف الليل، إذ أن الضعفاء والنساء مرخص لهم في ذلك رحمة بهم

تبدأ مزدلفة غرباً من وادي محسر ، وتنتهي شرقاً بأول المأزمين من جهتها، وقدر ما بينهما سبعة آلاف ذراع وسبعمائة ذراع وثمانون ذراعاً وأربعة أسباع ذراع

من لم يتمكن من الوصول إلى مزدلفة بسبب الزحام فلا هدي عليه من أجل عدم مبيته بمزدلفة ، لأنه معذور، وحجه صحيح

فمن بذل ما في وسعه للحصول على المبيت بمزدلفة ولم يتمكن من ذلك، فلا أثم عليه ومأجور على ما حصل عليه من المشقة، قال تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة: 286، وقال تعالى (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة: 6، وقال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن: 16

أما من رمى جمرة العقبة وطاف للإفاضة وسعى قبل منتصف الليل فإن ذلك لا يجزئه، وعليه أن يعيد الطواف والسعي والرمي، وليس لإعادة الطواف والسعي حد محدود، إنما الأمر الواجب البدار بذلك بعد العلم، أما الرمي فعلى من تركه هدي إذا لم يعيده في أيام منى الأربعة يوم العيد وأيام التشريق، وإن كان بعد منتصف الليل أجزأه ولا إثم عليه في ذلك إن شاء الله

لا يجوز للحاج تأخير رمي جمرة العقبة إلى اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق بدون عذر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها يوم العيد، وتبعه في ذلك الصحابة فلم يؤخروها إلى أيام التشريق بلا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (خذوا عني مناسككم) ومن أخرها إلى أيام التشريق بلا عذر فقد خالف السنة، وحرم من بعض أجر نسكه، وعليه أن يستغفر الله لما مضى، ويحرص على أداء نسكه على وجهه الشرعي في المستقبل

الواجب تعميم الرأس كله بالحلق أو التقصير في حج أو عمرة، ولا يلزمه أن يأخذ من كل شعرة بعينها، إذ يجب تعميم شعر الرأس بالتقصير في الحج أوالعمرة، وما قصر من مقدم الرأس فقط عن جهل لا يجزئه، ونرجو أن يعفو الله عز وجل عنا وعنه، وبعد اطلاعه على هذه الفتوى يتجرد من المخيط ويلبس الإزار مع كشف الرأس حتى يحلق أو يقصر من جميع الرأس بنية التحلل، وإن كان جامع زوجته في هذه الفترة فعليه ذبيحة تذبح بمكة تجزئ أضحية توزع على فقراء الحرم، فإن لم يستطع يصوم عشرة أيام

التحلل من الإحرام بالحج للرجل والمرأة يكون بعد رمي جمرة العقبة وحلق الرجل رأسه أو تقصير شعره، وليس للمرأة إلا التقصير، فيحل لكل منهما بذلك كل شيء كان محرماً عليهما بالإحرام إلا الجماع، أما التحلل الأكبر فيكون بالفراغ من طواف الإفاضة والسعي إذا كان عليه سعي، فيحل لهما كل شيء كان محرماً عليهما بالإحرام حتى الجماع

الطواف بالكعبة من العبادات المحضة، والأصل في العبادات التوقيف، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر في طوافه كلما حاذى الحجر الأسود، ولا شك أن الطائف يحاذيه في نهاية الشوط السابع، فيسن له أن يكبر كما سن له التكبير في بدء كل شوط عند محاذاته إياه، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم مع استلام الحجر وتقبيله إذا تيسر ذلك

ويسن الاضطباع في الأشواط كلها في طواف القدوم خاصة، كما يشرع الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم للحاج والمعتمر، وإذا لم يمكنه في الثلاثة الأولى منه الرمل وهو الهرولة فيها سقط عنه

وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت، ولا بين الصفا والمروة، وليس عليهن اضطباع، وذلك لأن الأصل فيهما إظهار الجلد، ولا يقصد ذلك في النساء، ولأن النساء يقصد فيهن الستر، وفي الرمل والاضطباع تعرض للكشف

ويبدأ طواف الإفاضة بعد منتصف الليل من ليلة النحر للضعفة ومن في حكمهم، وليس لنهايته وقت محدد، لكن الأولى أن يبادر الحاج بالطواف للإفاضة قدر استطاعته، مع مراعاة الرفق بنفسه، وتحين الأوقات التي يكون المطاف فيها خفيفاً من الزحام، حتى لا يؤذي ولا يؤذى

والحجر الأسود اختصه الله سبحانه بما شرعه لنا من تقبيله واستلامه، وأراد أن يكون في ركن الكعبة التي نستقبلها في صلاتنا، وشرع تقبيله واستلامه للطائفين، مع القدرة، فإن لم يتيسر فالإشارة إليه عند محاذاته مع التكبير، وقد ورد حديث رواه الترمذي وغيره في أنه نزل من الجنة، لكن في سنده ضعف

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود ولم يقبل غيره من الكعبة المشرفة

وتقبيل الحجر الأسود في الطواف سنة مؤكدة من سنن الطواف، إن تيسر فعلها بدون مزاحمة أو إيذاء لأحد بفعلك، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإن لم يتيسر إلا بمزاحمة وإيذاء تعين الترك، والاكتفاء بالإشارة إليه باليد، ولا سيما المرأة، لأنها عورة، ولأن المزاحمة في حق الرجال لا تشرع، ففي حق النساء أولى، كما أنه لا يجوز لها عند تيسر التقبيل لها بدون مزاحمة أن تكشف وجهها أثناء تقبيل الحجر الأسود، لوجود من ليس هو بمحرم لها في ذلك الموقف

ومن كان يطوف ثم أقيمت الصلاة فإنه يبدأ إتمام هذا الشوط من حيث قطعه من أجل صلاته مع الإمام

ولا يؤثر على الطواف فصله بالصلاة أو الشرب أو الكلام، والطواف يصح في أي طابق من طوابق الحرم

ولا يجوز للطائف بالبيت في حج أو عمرة أو طواف نفل أن يدخل من حجر إسماعيل، ولا يجزئه ذلك لو فعله، لأن الطواف بالبيت، والحِجر من البيت، لقوله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج: 1، ولما روى مسلم وغيره، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر، فقال هو من البيت. رواه البخاري. وفي لفظ قالت: إني نذرت أن أصلي في البيت، قال (صلي في الحجر، فإن الحجر من البيت) رواه أحمد

الاقتصار على الطواف على الكعبة دون الحجر طواف باطل وإذا كان طواف الإفاضة فيعتبر ما زال محرماً عليه الرجوع والطواف من جديد، أما إن كان طواف الوداع فعليه دم يذبح بمكة للفقراء تكميلاً للحج وليس عليه الرجوع إلى البيت، ولو رجع لم يجزئه عن الدم

الطواف بالكعبة لا يقبل النيابة، فلا يطوف أحد عن غيره إلا إذا كان حاجاً عنه أو معتمراً، فينوب عنه فيه تبعاً لجملة الحج أو العمرة

من اغتسل بدون وضوء ثم طاف وسعى ثم جامع زوجته فإنه مازال محرماً وعمرته فسدت بالجماع، وعليه العودة إلى الميقات الذي أحرم منه ليقضي هذه العمرة الفاسدة، ويعتمر مرة ثانية، وعليه دم بذبح شاة في مكة تقسم بين فقرائها ولا يأكل منها ويعيد الصلوات مع الاستغفار من التساهل في أمر عدم عنايته بسؤال أهل العلم المعروفين في المسجد الحرام

لا دم على ترك المبيت بمنى وبات بمزدلفة أيام الحج لعدم وجود مكان بمنى

تحرم الصلاة أو الطواف على غير طهارة وعليه إعادة الصلاة ويطوف ويسعى لعمرته لأن الطواف على غير طهارة غير صحيح ثم يحلق أو يقصر

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/7/12 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي