الدرس 301: أحكام في الصيام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 15 جمادى الأولى 1438هـ | عدد الزيارات: 1561 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

نزول المني بدون لذة في نهار رمضان لا يؤثر على الصيام

خروج الماء اللزج الغليظ بعد البول بدون لذة ليس منيا وإنما ذلك ودي ولا يفسد الصوم

يجوز السباحة في نهار رمضان، ولكن ينبغي للسابح أن يتحفظ من دخول الماء إلى جوفه

إذا جُرح الصائم في يده أو قدمه وخرج منه دم فإنه لا يفطر بذلك

إذا طيب الصائم جسمه أو ثوبه بطيب فإنه لا يفطر بذلك لكن لو استعمله في أنفه فإنه يفطر

لا يجوز السب أو الشتم لا من الصائم ولا من غيره ولكن يتأكد تحريمه بالنسبة للصائم وإذا وقع منه وهو صائم فإنه لا يفطر ولكنه يأثم

ينبغي للصائم أن يصون نفسه عن اللهو واللعب وأن يتقرب إلى الله بفعل أوامره واجتناب مناهيه ويتجنب كل ما من شأنه أن يبعده عن الله وعن عبادته سواء كان غاية أو وسيلة

من مفسدات الصيام مثل الأكل والشرب والاستعاط وهو إدخال الغذاء من الأنف، والاستقاء وهو استخراج القيء باختياره، والاستمناء والجماع فكل ذلك يفسد الصوم، وأما الكلام البذيء فلا يفسد الصوم لكنه لا يجوز

الأصل في الإمساك للصائم وإفطاره قوله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة: 187، فالأكل والشرب مباح إلى طلوع الفجر وهو الخيط الأبيض الذي جعله الله غاية لإباحة الأكل والشرب فإذا تبين الفجر الثاني حرم الأكل والشرب وغيرهما من المفطرات، ومن شرب وهو يسمع أذان الفجر فإن كان الأذان بعد طلوع الفجر الثاني فعليه القضاء وإن كان قبل الطلوع فلا قضاء عليه

من أكل أو شرب وهو يسمع أذان الفجر، ولم يعلم طلوع الفجر فالصوم صحيح؛ لأن الأصل بقاء الليل، ويشرع له مستقبلاً أن يكون سحوره قبل الأذان احتياطا لدينه، وحرصا على سلامة صومه

إذا تحقق الصائم غروب الشمس وإقبال الليل فقد حل له الفطر، قال تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وقال صلى الله عليه وسلم (إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) متفق عليه، ولا يعتبر ما خالف ذلك من التقاويم كما أنه لا يشترط سماع الأذان بعد تحقيق غروب الشمس

من أفطر يعتقد غروب الشمس ثم طلعت فسد صومه، ووجب عليه الإمساك حتى تغيب الشمس، وعليه قضاء يوم مكان هذا اليوم في الصحيح من قولي العلماء، كما رواه هشام بن عروة عن فاطمة امرأته عن أسماء قالت (أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام: فأمروا بالقضاء. قال: بد من قضاء) أخرجه البخاري وليس عليه كفارة، وهشام المذكور هو هشام بن عروة بن الزبير وهو من ثقات التابعين

قلت: الصحيح أن صومه صحيح لأن الصحابة افطروا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس ولم يثبت أنهم أمروا بالقضاء، أما قول هشام: بد من قضاء، فهذا توقع من هشام أنهم أمروا بالقضاء، وتوقع هشام ليس مستند على دليل أو رواية، إذ لو ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم، لروى ذلك أحد الصحابة، لذا لا نستطيع أن نجبر شخص غابت عليه الشمس فأفطر ثم طلعت على إعادة الصوم بدون دليل من القرآن أو السنة، وهذا قول ابن عثيمين وابن القيم وابن تيمية والجمهور

من أكل بعد الأذان فسد صومه

من شرب بعد طلوع الفجر يعيد صومه

قلت: هذا إذا كان يعتقد طلوع الفجر، غير أنه استمر في الشرب تساهلاً، أما إذا كان يعتقد أن الفجر لم يطلع فصومه صحيح بدليل أن عدي بن حاتم رضي الله عنه جعل عند رأسه عقالين وجعل يأكل حتى ميز الأبيض من الأسود بضوء الصبح مستنداً على قول الله تعالى (كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم اتموا الصيام إلى الليل) فأوضح له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بذلك: طلوع الفجر الصادق، ولم يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالإعادة لجهله بطلوع الفجر

الأصل أن لكل شخص في إمساكه في الصيام وإفطاره وأوقات صلاته حكم الأرض التي هو عليها أو الجو الذي يسير فيه فمن غربت عليه الشمس في مطار الظهران مثلا وأفطر أو صلى المغرب وأقلعت به الطائرة متجهة إلى الغرب ورأى الشمس بعد باقية فلا يلزمه الإمساك، ولا إعادة صلاة المغرب؛ لأنه وقت الإفطار أو الصلاة له حكم الأرض التي هو عليها، وإن أقلعت به الطائرة قبل غروب الشمس بدقائق واستمر معه النهار فلا يجوز له أن يفطر ولا أن يصلي المغرب حتى تغرب شمس الجو الذي يسير فيه حتى ولو مر بسماء بلد أهلها قد أفطروا وصلوا المغرب وهو في سمائها يرى الشمس، وهذا مقتضى الأدلة الشرعية، قال تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة: 187، وقال (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) الإسراء: 78، ولكن لو نزلوا في مكان قد غربت فيه الشمس صار لهم حكم ذلك المكان في الصوم والصلاة مدة وجودهم فيه

فلكل صائم حكم المكان الذي هو فيه، سواء كان على سطح الأرض أم كان على طائرة في الجو. وعليه فمن أفطر وهو في الطائرة بتوقيت بلد ما وهو يعلم أن الشمس لم تغرب فصيامه فاسد

ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

نص النبي صلى الله عليه وسلم على الحكم بوجوب الكفارة على أعرابي لكونه جامع زوجته عمداً في نهار رمضان وهو صائم، فكان ذلك منه بياناً لمناط الحكم، ونصاً على علته، واتفق الفقهاء على أن كونه أعرابيا وصف طردي لا مفهوم له، ولا تأثير له في الحكم فتجب الكفارة بوطء التركي والأعجمي زوجته، واتفقوا أيضا على أن وصف الزوجة في الموطوءة طردي غير معتبر، فتجب الكفارة بوطء الأمة وبالزنا، واتفقوا أيضا على أن مجيء الواطئ نادما لا أثر له في وجوب الكفارة، فلا اعتبار له أيضا في مناط الحكم، ثم اختلفوا في الجماع هل هو وحده المعتبر في وجوب الكفارة

وإفساد الصوم ولو بطعام أو شراب، فقال الشافعي وأحمد بالأول، وقال أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما بالثاني، ومنشأ الخلاف بين الفريقين اختلافهما في تنقيح مناط الحكم، هل هو انتهاك حرمة صوم رمضان بإفساده بخصوص الجماع عمداً، أو انتهاكه بإفساد صومه عمداً مطلقا ولو بطعام أو شراب، والصواب الأول؛ تمشياً مع ظاهر النص، ولأن الأصل براءة الذمة من وجوب الكفارة حتى يثبت الموجب بدليل واضح

من جامع زوجته بعد الفجر في رمضان فالواجب عليه عتق رقبة فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد بر وعليه قضاء اليوم بدلاً عن ذلك اليوم، وأما المرأة فإن كانت مطاوعة فحكمها حكم الرجل، وإن كانت مكرهة فليس عليها إلا القضاء

قلت: الصحيح أنه ليس عليها قضاء لأنها مكرهة مثل من أكره على شرب الماء وهو صائم، فالله سبحانه لا يحاسب المكره لقول الله تعالى (إلا من أكره وقلبه مطئمن بالإيمان) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فالأصل صحة الصوم إلا بموجب شرعي فكيف نوجب عليها القضاء وقد عفى الله عنها، فهي مثل من أجبر على شرب الماء، فصومه صحيح، وهذا قول ابن عثيمين رحمه الله

والأصل في وجوب الكفارة على الرجل: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال (بينما نحن جلوس عند النبي صلى اله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما لك. قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها. قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين. قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا. قال: لا، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم قال: فبينما نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر والعرق المكتل فقال: أين السائل. فقال: أنا، فقال: خذه فتصدق به) الحديث متفق عليه

أما إيجاب قضاء يوم مكان اليوم الذي جامع زوجته فيه لما في رواية أبي داود وابن ماجه (صم يوما مكانه) واللفظ له

وأما إيجاب الكفارة والقضاء على المرأة إذا كانت مطاوعة؛ فلأنها في معنى الرجل، وأما عدم إيجاب الكفارة عليها في حال الإكراه؛ فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)

ومن جامع زوجته في نهار رمضان وهي حائض، فعليه القضاء والكفارة، وليس على المرأة شيء، لأن وجوب أداء الصيام ساقط في حقها للحيض

وهو عليه لجماعها وهي حائض دينار أو نصفه لحديث ابن عباس (يتصدق بدينار أو نصفه) رواه أحمد والترمذي وأبو داود ، وقال: هكذا الرواية الصحيحة، والمراد بدينار مثقال من الذهب مضروباً كان أو غيره، أو قيمته من الفضة، وهذه المرأة إن كانت مطاوعة فعليها الكفارة كالرجل، وعليهما جميعاً التوبة إلى الله سبحانه من الجماع في الحيض

من جامع في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم وهو عالم بصومه، وأن الجماع فيه حرام والتقى الختانان وجبت عليه الكفارة مع القضاء ولو لم ينزل مع التوبة

ومن جامع زوجته ناسياً الصيام فليس عليه قضاء ولا كفارة؛ لأنه معذور بالنسيان، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) والجماع في معنى ذلك، أما المرأة إذا كانت عالمة ولكنها تساهلت، فعليها القضاء والكفارة

ومن داعب زوجته في نهار رمضان حتى أنزل وهو صائم، فعليه القضاء، وكذلك الزوجة عليها أيضاً القضاء إن كانت أنزلت من دون جماع

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

1438/5/14 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي