ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 163 أحداث السنة الثامنة من الهجرة (35)

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 30 ربيع الأول 1438هـ | عدد الزيارات: 1721 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

وفد أهل نجران

روى البخاري عن حذيفة قال : جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه، فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل ، فوالله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا : إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال : " لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين " فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " قم يا أبا عبيدة بن الجراح " فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا أمين هذه الأمة " ورواه مسلم

وروى الحافظ أبو بكر البيهقي عن يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه ، عن جده قال يونس : وكان نصرانيا فأسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه " طس " سليمان : " -سورة النمل- باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران ، وأهل نجران ، إن أسلمتم فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ; أما بعد ، فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد ، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتم فالجزية ، فإن أبيتم ، آذنتكم بحرب والسلام ".

فلما أتى الأسقف الكتاب فقرأه فظع به وذعر به ذعرا شديدا ، وبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له : شرحبيل بن وداعة - وكان من أهل همدان ، ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله ، لا الأيهم ولا السيد ولا العاقب - فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل فقرأه ، فقال الأسقف : يا أبا مريم ما رأيك ؟ فقال شرحبيل : قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة ، فما يؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل ، ليس لي في النبوة رأي ، ولو كان أمر من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأي وجهدت لك فقال له الأسقف : تنح فاجلس فتنحى شرحبيل فجلس ناحية ، فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له : عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حمير ، فأقرأه الكتاب ، وسأله عن الرأي ، فقال له مثل قول شرحبيل فقال له الأسقف : تنح فاجلس فتنحى فجلس ناحية ، فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له : جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس فأقرأه الكتاب ، وسأله عن الرأي فيه ، فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله فأمره الأسقف فتنحى فجلس ناحية ، فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعا ، أمر الأسقف بالناقوس فضرب به ، ورفعت المسوح في الصوامع ، وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار ، وإذا كان فزعهم ليلا ضربوا بالناقوس ، ورفعت النيران في الصوامع ، فاجتمع حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح ، أهل الوادي أعلاه وأسفله ، وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع ، وفيه ثلاث وسبعون قرية ، وعشرون ومائة ألف مقاتل ، فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرأي فيه ، فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجبار بن فيض الحارثي فيأتوهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ، ولبسوا حللا لهم يجرونها ; من حبرة وخواتيم الذهب ، ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا ، فلم يرد عليهم السلام ، وتصدوا لكلامه نهارا طويلا ، فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذهب ، فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانوا يعرفونهما ، فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس ، فقالوا : يا عثمان ويا عبد الرحمن إن نبيكم كتب إلينا بكتاب ، فأقبلنا مجيبين له ، فأتيناه فسلمنا عليه، فلم يرد سلامنا، وتصدينا لكلامه نهارا طويلا، فأعيانا أن يكلمنا، فما الرأي منكما؟ أترون أن نرجع؟ فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم : ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم ؟ فقال علي لعثمان ولعبد الرحمن رضي الله عنهم : أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ، ويلبسوا ثياب سفرهم ، ثم يعودوا إليه ففعلوا فسلموا فرد سلامهم ، ثم قال : " والذي بعثني بالحق ، لقد أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم " ثم ساءلهم وساءلوه ، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له : ما تقول في عيسى ؟ فإنا نرجع إلى قومنا ، ونحن نصارى يسرنا إن كنت نبيا أن نسمع ما تقول فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عندي فيه شيء يومي هذا ، فأقيموا حتى أخبركم بما يقول الله في عيسى " فأصبح الغد وقد أنزل الله عز وجل هذه الآية " إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ * ففَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ " (آل عمران : 59 - 61) فأبوا أن يقروا بذلك فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر ، أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له ، وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة ، وله يومئذ عدة نسوة ، فقال شرحبيل لصاحبيه : قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي ، وإني والله أرى أمرا ثقيلا ، والله لئن كان هذا الرجل ملكا متقويا ، فكنا أول العرب طعن في عينه ورد عليه أمره ، لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة ، وإنا أدنى العرب منهم جوارا ، ولئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه ; لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظُفُرُ إلا هلك فقال له صاحباه : فما الرأي يا أبا مريم ؟ فقال : رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا فقالا له : أنت وذاك قال : فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك فقال : " وما هو ؟ " فقال : حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح ، فمهما حكمت فينا فهو جائز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعل وراءك أحد يثرب عليك ؟ " فقال شرحبيل : سل صاحبي فسألهما فقالا : ما يرد الوادي ولا يصدر إلا عن رأي شرحبيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كافر - أو قال : جاحد - موفق " فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلاعنهم حتى إذا كان الغد أتوه ، فكتب لهم هذا الكتاب : " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب محمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم لنجران ، أن كان عليهم حكمه في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء ورقيق ، فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حُلة ، في كل رجب ألف حلة ، وفي كل صفر ألف حلة " وذكر تمام الشروط إلى أن قال :" شهد أبو سفيان بن حرب ، وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف من بني نضر ، والأقرع بن حابس الحنظلي والمغيرة بن شعبة وكتب ، حتى إذا قبضوا كتابهم انصرفوا إلى نجران فتلقاهم الأسقف ووجوه نجران على مسيرة ليلة من نجران ، ومع الأسقف أخ له من أمه ، وهو ابن عمه من النسب يقال له : بشر بن معاوية وكنيته أبو علقمة فدفع الوفد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسقف ، فبينما هو يقرأه وأبو علقمة معه وهما يسيران ، إذ كبت ببشر ناقته ، فتعس بشر غير أنه لا يكني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له الأسقف عند ذلك : قد والله تعست نبيا مرسلا فقال له بشر : لا جرم ، والله لا أحل عنها عقدا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فضرب وجه ناقته نحو المدينة ، وثنى الأسقف ناقته عليه فقال له : افهم عني ، إني إنما قلت هذا ليبلغ عني العرب ; مخافة أن يروا أنا أخذنا حقه ، أو رضينا نصرته ، أو بخعنا لهذا الرجل بما لم تبخع به العرب ، ونحن أعزهم وأجمعهم دارا فقال له بشر : لا والله لا أقبل ما خرج من رأسك أبدا فضرب بشر ناقته وهو مول الأسقف ظهره ، وارتجز يقول

إلَيْكَ تَغْدُو قَلِقًا وضِينُها ∗∗ مُعْتَرِضًا في بَطْنِها جَنِينُها

مُخالِفًا دِينَ النَّصارى دِينُها

حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، ولم يزل معه حتى قتل بعد ذلك قال : ودخل الوفد نجران ، فأتى الراهب ليث بن أبي شمر الزبيدي وهو في رأس صومعته ، فقال له : إن نبيا بعث بتهامة فذكر له ما كان من وفد نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه عرض عليهم الملاعنة فأبوا ، وأن بشر بن معاوية دفع إليه فأسلم ، فقال الراهب : أنزلوني وإلا ألقيت نفسي من هذه الصومعة قال : فأنزلوه فأخذ معه هدية ، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها هذا البرد الذي يلبسه الخلفاء ، وقعب ، وعصا ، فأقام مدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع الوحي ، ثم رجع إلى قومه ، ولم يقدر له الإسلام ، ووعد أنه سيعود ، فلم يقدر له حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن الأسقف أبا الحارث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه السيد والعاقب ووجوه قومه ، فأقاموا عنده يسمعون ما ينزل الله عليه ، وكتب للأسقف هذا الكتاب ولأساقفة نجران بعده : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي صلى الله عليه وسلم للأسقف أبي الحارث وكل أساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم ، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير ، جوار الله ورسوله ، لا يغير أسقف من أسقفته ، ولا راهب من رهبانيته ، ولا كاهن من كهانته ، ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ، ولا مما كانوا عليه ، على ذلك جوار الله ورسوله أبدا ، ما نصحوا وأصلحوا عليهم ، غير مثقلين بظلم ولا ظالمين " وكتب المغيرة بن شعبة

وذكر ابن إسحاق أنهم لما دخلوا المسجد النبوي دخلوا في تجمل وثياب حسان ، وقد حانت صلاة العصر فقاموا يصلون إلى المشرق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوهم " فكان المتكلم لهم أبا حارثة بن علقمة والسيد والعاقب حتى نزل فيهم صدر سورة آل عمران والمباهلة -آية 61- ، فأبوا ذلك وسألوا أن يرسل معهم أمينا ، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح كما تقدم في رواية البخاري

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1438-03-30 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 9 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي