الدرس 176 أحداث السنة الثامنة من الهجرة 46

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 14 ربيع الأول 1438هـ | عدد الزيارات: 1241 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

غزوة تبوك

قال الله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " (التوبة : 28 ، 29) روي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وغيرهم ، أنه لما أمر الله تعالى أن يُمنع المشركون من قربان المسجد الحرام في الحج وغيره قالت قريش: لينقطعن عنا المتاجر والأسواق أيام الحج ، وليذهبن ما كنا نصيب منها فعوضهم الله عن ذلك بالأمر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون

فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال الروم؛ لأنهم أقرب الناس إليه وأولى الناس بالدعوة إلى الحق؛ لقربهم إلى الإسلام وأهله وقد قال الله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين. " التوبة : 123 فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على غزو الروم عام تبوك وكان ذلك في حر شديد وضيق من الحال ، جلى للناس أمرها ودعا من حوله من أحياء الأعراب للخروج معه ، فأوعب معه بشر كثير، قريبا من ثلاثين ألفا ، وتخلف آخرون ، فعاتب الله من تخلف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين ، ولامهم ووبخهم وقرعهم أشد التقريع ، وفضحهم أشد الفضيحة ، وأنزل فيهم قرآنا يتلى وبين أمرهم في سورة " براءة " وأمر المؤمنين بالنفير على كل حال فقال تعالى :" انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون " ثم قال تعالى :" وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون "فقيل : إن هذه ناسخة لتلك

قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب - يعني من سنة تسع - ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم فذكر الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم، كل يحدث عن غزوة تبوك ما بلغه عنها ، وبعض القوم يحدث ما لم يحدث بعض ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم ، وذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد ، وحين طابت الثمار ، فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ، ويكرهون الشخوص في الحال من الزمان الذي هم عليه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما يخرج في غزوة إلا كنى عنها إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس ، لبعد المشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد إليه ليتأهب الناس لذلك أهبته ، فأمرهم بالجهاد وأخبرهم أنه يريد الروم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس أحد بني سلمة : " يا جد! هل لك في جلاد بني الأصفر ؟ " فقال : يا رسول الله ، أوتأذن لي ولا تفتني ، فوالله لقد عرف قومي أنه ما رجل بأشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " قد أذنت لك " ففي الجد أنزل الله هذه الآية : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين التوبة : 49 وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض : لا تنفروا في الحر زهادة في الجهاد وشكا في الحق وإرجافا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى فيهم " وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون " التوبة : 81 ، 82

قال ابن هشام عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله بن حارثة عن أبيه ، عن جده قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي - وكان بيته عند جاسوم - يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فبعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه ، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم ففعل طلحة فاقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت ، فانكسرت رجله ، واقتحم أصحابه فأفلتوا

قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره وأمر الناس بالجهاز والانكماش ، وحض أهل الغنى على النفقة والحُملان في سبيل الله ، فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا ، وأنفق عثمان بن عفان نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها

قال ابن هشام فحدثني من أثق به أن عثمان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض "

وقد روى الإمام أحمد عن كثير مولى عبد الرحمن بن سَمُرة قال : جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة قال : فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ، ويقول : " ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم " ورواه الترمذي وقال : حسن غريب

وروى أبو داود الطيالسي عن الأحنف بن قيس قال : سمعت عثمان بن عفان يقول لسعد بن أبي وقاص وعلي والزبير وطلحة : أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من جهز جيش العسرة غفر الله له " فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا قالوا : اللهم نعم. ورواه النسائي

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1438-03-14 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 1 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي