الدرس 194 أحداث السنة الثامنة من الهجرة 64

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 8 صفر 1438هـ | عدد الزيارات: 1187 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

بَعْثِهِ إلى كسرى ملك الفرس

روى البخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه مع رجل إلى كسرى ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى ، فلما قرأه كسرى مزقه، فحسبت أن ابن المسيب قال : فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمزَقوا كل ممزق

وروى ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب ، قال : بُعث عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم إلى كسرى بن هرمز ملك فارس وكتب معه : " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأدعوك بدعاء الله ، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة ، لأنذر من كان حيا ، ويحق القول على الكافرين ، فإن تُسلم تسلم ، وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك " فلما قرأه شقه، وقال: يكتب إلي بهذا وهو عبدي ؟! ثم كتب كسرى إلى باذام ، وهو نائبه على اليمن ، أن ابعث إلى هذا الرجل بالحجاز رجلين من عندك جلْدين فليأتياني به فبعث باذام قهرمانه ، وكان كاتبا حاسبا بكتاب فارس ، وبعث معه رجلا من الفرس يقال له : خرخرة وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى ، وقال لأباذَويه : ائت بلاد هذا الرجل وكلمه وأتني بخبره فخرجا حتى قدما الطائف ، فوجدا رجلا من قريش في أرض الطائف ، فسألوه عنه فقال : هو بالمدينة واستبشر أهل الطائف - وقريش بهما - وفرحوا ، وقال بعضهم لبعض : أبشروا ، فقد نَصب له كسرى ملك الملوك ، كفيتم الرجل فخرجا حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلا عليه وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما ، فكره النظر إليهما ، وقال : " ويلكما! من أمَركما بهذا ؟! " قالا : أمرنا ربنا يعنيان كسرى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي " فكلمه أباذويه فقال : شاهنشاه ملك الملوك كسرى ، قد كتب إلى الملك باذام يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك ، وقد بعثني إليك لتنطلق معي ، فإن فعلت كتب لك إلى ملك الملوك ينفعك ويكُفَهُ عنك ، وإن أبيت فهو من قد علمت ، فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك، فقال صلى الله عليه وسلم: " ارجعا حتى تأتياني غدا " وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء ، بأن الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه ، فقتله في شهر كذا وكذا ، في ليلة كذا وكذا ، من الليل، فدعاهما وأخبرهما فقالا : هل تدري ما تقول ؟! إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا ، فنكتب عنك بهذا ونخبر الملك باذام ؟ قال : " نعم أخبراه ذلك عني ، وقولا له : إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى ، وينتهي إلى منتهى الخف والحافر ، وقولا له : إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك ، وملكتك على قومك من الأبناء " ثم أعطى خرخرة منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك ، فخرجا من عنده حتى قدما على باذام فأخبراه الخبر ، فقال : والله ما هذا بكلام ملك ، وإني لأرى الرجل نبيا كما يقول ، وليكونن ما قد قال ، فلئن كان هذا حقا فإنه نبي مرسل ، وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا فلم ينشب باذام أن قدِم عليه كتاب شيرويه : أما بعد ، فإني قد قتلت كسرى ، ولم أقتله إلا غضبا لفارس ، لما كان استحل من قتل أشرافهم ونحرهم في ثغورهم ، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك ، وانطلق إلى الرجل الذي كان كسرى قد كتب فيه ، فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذام قال : إن هذا الرجل لرسول فأسلم وأسلمت الأبناء من فارس من كان منهم باليمن قال : وقد قال باذويه لباذام : ما كلمت أحدا أهْيب عندي منه فقال له باذام : هل معه شُرط ؟ قال : لا

قال البيهقي: وروي في حديث دحية بن خليفة ، أنه لما رجع من عند قيصر وجد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رسل عامل كسرى ، وذلك أن كسرى بعث ، يتوعد صاحب صنعاء ، ويقول له : ألا تكفيني أمر رجل قد ظهر بأرضك يدعوني إلى دينه ؟ لتكفينه أو لأفعلن بك فبعث إليه ، فقال لرسله : " أخبروه أن ربي قد قتل ربه الليلة " فوجدوه كما قال صلى الله عليه وسلم

ولما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهلاك كسرى لذينك الرجلين ، يعني الأميرين اللذين قدما من نائب اليمن باذام ، فلما جاء الخبر بوفق ما أخبر به ، عليه الصلاة والسلام ، وشاع في البلاد ، وكان سعد بن أبي وقاص أول من سمع ، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بوفق إخباره ، عليه السلام

روى الإمام الشافعي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتُنفقن كنوزهما في سبيل الله " متفق عليه

قال الشافعي : ولما أتي كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مزقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تمزق ملكه
قال الشافعي وغيره من العلماء : ولما كانت العرب تأتي الشام والعراق للتجارة ، فأسلم من أسلم منهم ، شكوا خوفهم من مَلكي العراق والشام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده " قال : فباد ملك الأكاسرة بالكلية ، وزال ملك قيصر عن الشام بالكلية

وفي هذا بشارة عظيمة بأن ملك الروم لا يعود أبدا إلى أرض الشام ، وكانت العرب تسمي قيصر لمن ملك الشام مع الجزيرة من الروم ، وكسرى لمن ملك الفرس ، والنجاشي لمن ملك الحبشة ، والمقوقس لمن ملك الإسكندرية وفرعون لمن ملك مصر كافرا ، وبَطلَيموس لمن ملك الهند ، ولهم أعلام أجناس غير ذلك
روى مسلم عن جابر بن سَمُرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لَتَفْتَحَنَّ عِصابَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، أوْ مِنَ المُؤْمِنِينَ، كَنْزَ آلِ كِسْرَى الذي في الأبْيَضِ."

وبالله التوفيق

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

08-02-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 6 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي