الدرس 198 أحداث السنة الثامنة من الهجرة 68

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 3 صفر 1438هـ | عدد الزيارات: 1330 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

غزوة مؤتة

هي سرية زيد بن حارثة ، في نحو من ثلاثة آلاف ، إلى البلقاء من أرض الشام

قال محمد بن إسحاق بعد قصة عمرة القضية: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع، وبعث في جمادى الأولى بعثه إلى الشام، الذين أصيبوا بمؤتة ، فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان، واستعمل عليهم زيد بن حارثة ، وفي صحيح البخاري: " أَمَّرَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وإنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ. قَالَ عبدُ اللَّهِ: كُنْتُ فيهم في تِلكَ الغَزْوَةِ، فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بنَ أبِي طَالِبٍ، فَوَجَدْنَاهُ في القَتْلَى، ووَجَدْنَا ما في جَسَدِهِ بضْعًا وتِسْعِينَ؛ مِن طَعْنَةٍ ورَمْيَةٍ."

فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج ، وهم ثلاثة آلاف
قال ابن إسحاق : فلما حضر خروجهم ، ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم ، فلما ودع عبد الله بن رواحة مع من ودع بكى ، فقالوا : ما يبكيك يا ابن رواحة ؟ فقال : أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار:" وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا "(مريم: 71) ، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؟ فقال المسلمون : صحبكم الله ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين فقال عبد الله بن رواحة :

لكنني أسأل الرحمن مغفرة *** وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مُجهزة *** بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي *** أرشده الله من غاز وقد رشدا

قال ابن إسحاق : ثم إن القوم تهيئوا للخروج ، فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فودعه ثم قال

إِنّي تَفَرَّستُ فيكَ الخَيرَ أَعرِفُهُ

وَاللَهُ يَعلَمُ أَن ما خانَني البَصَرُ

أَنتَ النَبِيُّ وَمَن يُحرَم شَفاعَتَهُ

يَومَ الحِسابِ فَقَد أَزرى بِهِ القَدَرُ

فَثَبَّتَ اللَهُ ما آتاكَ مِن حَسَنٍ

تَثبيتَ موسى وَنصراً كَالَّذي نُصِروا

وقال ابن إسحاق أيضاً: ثم مضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام ، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء ، في مائة ألف من الروم ، وانضم إليه من لخم وجذام والقين وبهراء وبلي مائة ألف منهم ، عليهم رجل من بلي ، ثم أحد إراشة ، يقال له : مالك بن زافلة، فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم ، وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له قال : فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال : يا قوم ، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون ، الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين ، إما ظهور وإما شهادة قال : فقال الناس : قد والله صدق ابن رواحة فمضى الناس فقال عبد الله بن رواحة في محبسهم ذلك

جَلَبنا الخَيلَ مِن أَجَأٍ وَفَرعٍ

تُغَرُّ مِنَ الحَشيشِ لَها العُكومُ

حَذَوناها مِنَ الصَوّانِ سِبتاً

أَزَلَّ كَأَنَّ صَفحَتَهُ أَديمُ

أَقامَت لَيلَتَينِ عَلى مُعانٍ

فَأُعقِبَ بَعدَ فَترَتِها جُمومُ

فَرُحنا وَالجِيادُ مُسَوَّماتٌ

تَنَفَّسُ في مَناخِرِها السَمومُ

فَلا وَأَبي مَآبُ لَنَأتِيَنها

وَإِن كانَت بِها عَرَبٌ وَرومُ

فَعَبَّأنا أعِنَّتَها فَجاءَت

عَوابِسَ وَالغُبارُ لَها بَريمُ

بِذي لَجَبٍ كَأَنَّ البَيضَ فيهِ

إِذا بَرَزَت قَوانِسُها النُجومُ

فَراضِيَةُ المَعيشَةِ طَلَّقَتها

أَسِنَّتُها فَتَنكِحُ أَو تَئيمُ

قال ابن إسحاق : ثم مضى الناس ، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب ، بقرية من قرى البلقاء يقال لها : مشارف ثم دنا العدو ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة فالتقى الناس عندها ، فتعبأ لهم المسلمون ، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عُذرة يقال له : قُطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له : عَباية بن مالك

وروى الواقدي عن أبي هريرة قال : شهدت مؤتة ، فلما دنا منا المشركون ، رأينا ما لا قبل لأحد به ، من العدة ، والسلاح ، والكراع ، والديباج ، والحرير ، والذهب ، فبرق بصري ، فقال لي ثابت بن أقرم : يا أبا هريرة ، كأنك ترى جموعا كثيرة! قلت : نعم قال : إنك لم تشهد معنا بدرا ، إنا لم ننصر بالكثرة. رواه البيهقي

قال ابن إسحاق : ثم التقى الناس فاقتتلوا ، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم ، ثم أخذها جعفر ، فقاتل بها ، حتى إذا ألحمه القتال ، اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثم قاتل القوم حتى قتل فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام

قال السهيلي : ولم ينكر أحد على جعفر ، فدل على جوازه إذا خيف أخذ العدو له ، ولا يدخل ذلك في النهي عن قتل الحيوان عبثا

روى البخاري عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس ، قبل أن يأتيهم خبرهم ، فقال : أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم

وروى البخاري أيضاً عن عبد الله بن عمر قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن قتل زيد فجعفر ، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة " قال عبد الله : كنت فيهم في تلك الغزوة ، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب ، فوجدناه في القتلى ، ووجدنا في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية

ومما يشهد لما ذكره ابن هشام من قطع يمينه وهي ممسكة اللواء ، ثم شماله ، ما رواه البخاري عن عامر قال : كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر قال : السلام عليك يا ابن ذي الجناحين
وروى البخاري عن خالد بن الوليد قال: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية

روى الإمام أحمد عن عوف بن مالك الأشجعي قال : خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة من المسلمين ، في غزوة مؤتة ، ورافقني مددي من اليمن ، ليس معه غير سيفه ، فنحر رجل من المسلمين جزورا ، فسأله المددي طائفة من جلده ، فأعطاه إياه ، فاتخذه كهيئة الدرقة ، ومضينا فلقينا جموع الروم ، وفيهم رجل على فرس له أشقر ، عليه سرج مذهب وسلاح مذهب ، فجعل الرومي يغري بالمسلمين ، وقعد له المددي خلف صخرة ، فمر به الرومي فعرقب فرسه ، فخر وعلاه ، فقتله ، وحاز فرسه وسلاحه ، فلما فتح الله للمسلمين ، بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه السلب قال عوف : فأتيته فقلت : يا خالد ، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ؟ قال : بلى ، ولكني استكثرته فقلت : لتردنه إليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يرد عليه قال عوف : فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا خالد ، رد عليه ما أخذت منه " قال عوف : فقلت : دونك يا خالد ، ألم أف لك ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما ذاك ؟ " فأخبرته ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " يا خالد ، لا ترد عليه ، هل أنتم تاركو لي أمرائي ، لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره. رواه مسلم
وهذا يقتضي أنهم غنموا منهم ، وسلبوا من أشرافهم ، وقتلوا من أمرائهم ، وقد تقدم فيما رواه البخاري أن خالدا ، رضي الله عنه قال : اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، وما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية وهذا يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلا ، ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم

قال البيهقي: حديث أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ثم أخذها خالد ، ففتح الله عليه " يدل على ظهورهم عليهم

قال الزهري: أمر المسلمون عليهم خالد بن الوليد ، ففتح الله عليهم ، وكان عليهم حتى رجع إلى المدينة

وبالله التوفيق

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

03-02-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 6 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي