الدرس 203 أحداث السنة الرابعة من الهجرة 73

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 26 شوال 1437هـ | عدد الزيارات: 2078 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الحدثُ الأول: غزوة الرجيع

قال الواقدي وكانت في صفر - يعني سنة أربع - بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ليخبروه، والرجيع على سبعة أميال من عُسفان

روى البخاري عن أبي هريرة ، قال" بَعَثَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وأَمَّرَ عليهم عَاصِمَ بنَ ثَابِتٍ الأنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَانْطَلَقُوا حتَّى إذَا كَانُوا بالهَدَأَةِ -وهو بيْنَ عُسْفَانَ ومَكَّةَ- ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِن هُذَيْلٍ، يُقَالُ لهمْ: بَنُو لَحْيَانَ، فَنَفَرُوا لهمْ قَرِيبًا مِن مِئَتَيْ رَجُلٍ، كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حتَّى وجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ، فَقالوا: هذا تَمْرُ يَثْرِبَ. فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وأَصْحَابُهُ لَجَؤُوا إلى فَدْفَدٍ وأَحَاطَ بهِمُ القَوْمُ، فَقالوا لهمْ: انْزِلُوا وأَعْطُونَا بأَيْدِيكُمْ، ولَكُمُ العَهْدُ والمِيثَاقُ، ولَا نَقْتُلُ مِنكُم أحَدًا، قَالَ عَاصِمُ بنُ ثَابِتٍ أمِيرُ السَّرِيَّةِ: أمَّا أنَا فَوَاللَّهِ لا أنْزِلُ اليومَ في ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ. فَرَمَوْهُمْ بالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا في سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ إليهِم ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بالعَهْدِ والمِيثَاقِ، منهمْ خُبَيْبٌ الأنْصَارِيُّ، وابنُ دَثِنَةَ، ورَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا منهمْ أطْلَقُوا أوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فأوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هذا أوَّلُ الغَدْرِ، واللَّهِ لا أصْحَبُكُمْ، إنَّ لي في هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةً. يُرِيدُ القَتْلَى، فَجَرَّرُوهُ وعَالَجُوهُ علَى أنْ يَصْحَبَهُمْ، فأبَى، فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بخُبَيْبٍ وابْنِ دَثِنَةَ حتَّى بَاعُوهُما بمَكَّةَ بَعْدَ وقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الحَارِثِ بنِ عَامِرِ بنِ نَوْفَلِ بنِ عبدِ مَنَافٍ، وكانَ خُبَيْبٌ هو قَتَلَ الحَارِثَ بنَ عَامِرٍ يَومَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أسِيرًا، فأخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ عِيَاضٍ، أنَّ بنْتَ الحَارِثِ أخْبَرَتْهُ: أنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ منها مُوسَى يَسْتَحِدُّ بهَا، فأعَارَتْهُ، فأخَذَ ابْنًا لي وأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أتَاهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ علَى فَخِذِهِ والمُوسَى بيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ في وجْهِي، فَقَالَ: تَخْشينَ أنْ أقْتُلَهُ؟ ما كُنْتُ لأفْعَلَ ذلكَ، واللَّهِ ما رَأَيْتُ أسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِن خُبَيْبٍ، واللَّهِ لقَدْ وجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِن قِطْفِ عِنَبٍ في يَدِهِ وإنَّه لَمُوثَقٌ في الحَدِيدِ، وما بمَكَّةَ مِن ثَمَرٍ، وكَانَتْ تَقُولُ: إنَّه لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ في الحِلِّ، قَالَ لهمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ. فَتَرَكُوهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أنْ تَظُنُّوا أنَّ ما بي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا، اللَّهُمَّ أحْصِهِمْ عَدَدًا ما أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... علَى أيِّ شِقٍّ كانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذلكَ في ذَاتِ الإلَهِ وإنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ علَى أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابنُ الحَارِثِ، فَكانَ خُبَيْبٌ هو سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بنِ ثَابِتٍ يَومَ أُصِيبَ، فأخْبَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وما أُصِيبُوا، وبَعَثَ نَاسٌ مِن كُفَّارِ قُرَيْشٍ إلى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أنَّه قُتِلَ، لِيُؤْتَوْا بشَيءٍ منه يُعْرَفُ، وكانَ قدْ قَتَلَ رَجُلًا مِن عُظَمَائِهِمْ يَومَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ علَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِن رَسولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا علَى أنْ يَقْطَعَ مِن لَحْمِهِ شيئًا."

فائدة

قال السهيلي وإنما صارت الركعتان سنةً - يعني عند القتل - لأنها فُعلت في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، فأَقرَّ عليها ، واستُحسنت من صنيعه

قال ابن هشام أقام خبيب في أيديهم حتى انسلخت الأشهر الحرم ثم قتلوه

روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال لما قُتل أصحاب الرجيع قال ناس من المنافقين يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا ، لا هم أقاموا في أهليهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله فيهم "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ "(البقرة 204) وأنزل الله بعدها مادحا خبيب وأصحابة "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ "(207)

الحدثُ الثاني: سرية عمرو بن أمية الضَمري على إثر مقتل خبيب رضي الله عنه:-

روى الواقدي عن إبراهيم بن جعفر عن أبيه، وعن جعفر بن الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري، وعن عبد الواحد بن أبي عون وزاد بعضهم على بعض ، قالوا: كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة ما أحد يغتال محمدا ؟ فإنه يمشي في الأسواق فندرك ثأرنا ؟ فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله ، وقال له إن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله ، فإني هاد بالطريق خِرِيت ، معي خنجر مثل خافية النسر قال أنت صاحبنا وأعطاه بعيرا ونفقة ، وقال اطو أمرك فإني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينميه إلى محمد قال قال الأعرببي لا يعلمه أحد فخرج ليلا على راحلته فسار خمسا ، وصبح ظهر الحَرة صبح سادسة ، ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المصلى ، فقال له قائل قد توجه إلى بني عبد الأشهل فخرج الأعرابي يقود راحلته حتى انتهى إلى بني عبد الأشهل فعقل راحلته ، ثم أقبل يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجده في جماعة من أصحابه ، يحدث في مسجده ، فدخل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إن هذا الرجل يريد غدرا ، والله حائل بينه وبين ما يريده فوقف وقال أيكم ابن عبد المطلب ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ابن عبد المطلب فذهب يجنئ على رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يساره ، فجبذه أسيد بن حضير وقال تنح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجُذب بداخلة إزاره ، فإذا الخنجر ، فقال يا رسول الله ، هذا غادر فأُسقط في يد الأعرابي ، وقال دمي دمي يا محمد وأخذ أسيد بن حضير يُلببه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اصدقني ، ما أنت وما أقدمك ؟ فإن صدقتني نفعك الصدق ، وإن كذبتني فقد أطلعت على ما هممت به قال العربي: فأنا آمن، قال فأنت آمن فأخبره بخبر أبي سفيان وما جعل له ، فأمر به فحُبس عند أسيد بن حضير ثم دعا به من الغد فقال قد آمنتك ، فاذهب حيث شئت ، أو خير لك من ذلك ؟ قال وما هو ؟ فقال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك أنت رسول الله ، والله يا محمد ، ما كنتُ أفرق من الرجال ، فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضَعفت ثم اطلعتَ على ما هممتُ به مما سبقتُ به الركبان ، ولم يطلع عليه أحد ، فعرفتُ أنك ممنوع وأنك على حق ، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم ، وأقام أياما ، ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فخرج من عنده ولم يسمع له بذكر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن أمية الضمري ، ولسلمة بن أسلم بن حَريش: اُخُرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب فإن أصبتما منه غِرة فاقتلاه قال عمرو فخرجتُ أنا وصاحبي حتى أتينا بطن يَأجج فقيدنا بعيرنا ، وقال لي صاحبي يا عمرو ، هل لك في أن نأتي مكة فنطوف بالبيت أسبوعا ونصلي ركعتين ؟ فقلتُ إني أعرف بمكة من الفَرس الأبلق ، وإنهم إن رأوني عرفوني ، وأنا أعرف أهل مكة إنهم إذا أمسوا انفجعوا بأفنيتهم ، فأبى عليَ فانطلقنا فأتينا مكة فطفنا أسبوعا وصلينا ركعتين ، فلما خرجت لقيني معاوية بن أبي سفيان فعرفني وقال عمرو بن أمية ! وأخبر أباه فنذر بنا أهل مكة فقالوا ما جاء عمرو في خير وكان عمرو فاتكا في الجاهلية ، فحشد أهل مكة وتجمعوا ، وهرب عمرو ، وسلَمة وخرجوا في طلبهما ، واشتدوا في الجبل قال عمرو فدخلت غارا فتغيبت عنهم حتى أصبحت ، وباتوا يطلبوننا في الجبل ، وعمى الله عليهم طريق المدينة أن يهتدوا لراحلتنا ، فلما كان الغد ضحوة ، أقبل عثمان بن مالك بن عبيد التيمي يختلي لفرسه حشيشا ، فقلت لسلمة بن أسلم إذا أبصرنا أشعر بنا أهل مكة وقد انفضوا عنا فلم يزل يدنو من باب الغار حتى أشرف علينا قال فخرجت إليه فطعنته طعنة تحت الثدي بخنجري فسقط وصاح ، فأسمع أهل مكة فأقبلوا بعد تفرقهم ، ودخلت الغار ، وقلت لصاحبي لا تتحرك فأقبلوا حتى أتوه ، وقالوا من قتلك ؟ قال عمرو بن أمية الضمري فقال أبو سفيان قد علمنا أنه لم يأت لخير ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا ، فإنه كان بآخر رمق فمات ، وشُغلوا عن طلبنا بصاحبهم ، فحملوه ، فمكثنا ليلتين في مكاننا حتى خرجنا ، فقال صاحبي يا عمرو بن أمية هل لك في خبيب بن عدي ننزله ؟ فقلت له أين هو ؟ قال هو ذاك مصلوب ، حوله الحرس فقلت أمهلني وتنح عني فإن خشيتَ شيئا فانح إلى بعيرك فاقعد عليه ، فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ودعني ، فإني عالم بالمدينة ثم اشتددت عليه حتى وجدته فحملته على ظهري ، فما مشيت به إلا عشرين ذراعا حتى استيقظوا ، فخرجوا في أثري فطرحت الخشبة ، فما أنسى وقعها دب - يعني صوتَها - ثم أهلت عليه التراب برجلي ، فأخذت طريق الصفراء ، فأعيوا ورجعوا ، وكنت لا أُدرك مع بقاء نَفَس ، فانطلق صاحبي إلى البعير فركبه وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، وأقبلت حتى أشرفت على الغميم غميم ضجنان فدخلت في غار معي قوسي وأسهمي وخنجري ، فبينما أنا فيه إذ أقبل رجل من بني بكر من بني الديل أعور طويل ، يسوق غنما ومعزى ، فدخل الغار وقال من الرجل ؟ فقلت رجل من بني بكر فقال وأنا من بني بكر ثم اتكأ ورفع عقيرته يتغنى ويقول

فلست بمسلم ما دمت حيا ولست أدين دين المسلمينا

فقلت في نفسي والله إني لأرجو أن أقتلك فلما نام قمت إليه ، فقتلته شر قتلة قتلتها أحدا قط ، ثم خرجت حتى هبطت ، فلما أسهلت في الطريق إذا رجلان بعثتهما قريش يتجسسان الأخبار ، فقلت استأسرا فأبى أحدهما ، فرميته فقتلته ، فلما رأى ذلك الآخر استأسر ، فشددته وثاقا ، ثم أقبلت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قدمت المدينة رآني صبيان وهم يلعبون ، وسمعوا أشياخهم يقولون هذا عمرو فاشتد الصبيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، وأتيته بالرجل قد ربطت إبهاميه بوتر قوسي ، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ، ثم دعا لي بخير وكان قدوم سلمة قبل قدوم عمرو بثلاثة أيام.

وبالله التوفيق

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

26-10-1437 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 6 =

/500
روابط ذات صلة