تفسير سورة الملك

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 28 شهر رمضان 1437هـ | عدد الزيارات: 2424 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

سورة الملك مكية ، وآياتها 30

عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سورة في القرآن ثلاثين آية شفعت لصاحبها حتى غفر له (تبارك الذي بيده الملك). رواه أحمد وصححه الأباني .

بسم الله الرحمن الرحيم

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 1 الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ 2

قوله (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يمجد تعالى نفسه الكريمة ويخبر بأنه بيده الملك، أي هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل لحكمته وعدله فتعاظم وتعالى وكثر خيره وعم احسانه فمن عظمته أن بيده ملك العالم العلوي والسفلي فهو الذي خلقه ويتصرف فيه بما شاء من الأحكام القدرية والشرعية التابعة لحكمته ولهذا قال (وهو على كل شيء قدير) أي ومن عظمته كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة كالسماوات والأرض .

ويستفاد من الآية ثبوت صفة اليد لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله

قوله (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) معنى الآية أنه أوجد الخلائق من العدم ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملاً فسمى الحالة الأولى وهو العدم موتا، وسمى هذه النشئة حياة فقد قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم .

قوله (لِيَبْلُوَكُمْ) فيما بين الحياة إلى الموت (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) قال فضيل بن عياض : أحسن عملا أخلصه وأصوبه، والعمل لا يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا الخالص: إذا كان لله والصواب: إذا كان على السنة .

قوله (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي له العزة كلها التي قهر بها جميع الأشياء وانقادة له المخلوقات فهو الغالب الذي لا يفوته من أساء العمل، عزيز في انتقامه ممن عصاه (الْغَفُورُ) لمن تاب إليه وأناب بعدما عصاه وخالف أمره فهو غفور عن المسيئين والمقصرين والمذنبين خصوصاً إذا تابوا وأنابوا فإنه يغفر ذنوبهم ولو بلغت عنان السماء ويستر عيوبهم ولو كانت ملء الدنيا .

وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات وزجر عن اقتراف المعاص

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ 3 ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ 4

قوله (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا) طبقًا على طبق متناسقة وخلقها في غاية الحسن والاتقان بعضها فوق بعض (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ) قرأ حمزة والكسائي: من تفوّت بتشديد الواو بلا ألف، وقرأ الآخرون بتخفيف الواو وألف قبلها وهما لغتان كالتَّحَمُّل والتحامل والتطهر والتطاهر ومعناه: ما ترى يا ابن آدم في خلق الرحمن من اعوجاج واختلاف وتناقض بل هي مستقيمة مستوية وأصله من الفوت وهو أن يفوت بعضها بعضا لقلة استوائها بل ليس فيها اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة ولا نقص ولا عيب ولا خلل ولهذا قال (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) أي أعده إليها ناظراً معتبراً (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) شقوق وصدوع، (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) مرة بعد مرة (يَنْقَلِبْ) ينصرف ويرجع (إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا) صاغرًا ذليلا (وَهُوَ حَسِيرٌ) كليل منقطع لم يدرك ما طلب .

وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ 5 وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 6 إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ 7 تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ 8 قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ 9 وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ 10 فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ11

ولما نفى عنها في خلقها النقص بين كمالها وزينتها فقال (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا) أراد الأدنى من الأرض وهي التي يراها الناس (بِمَصَابِيحَ) أي: الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت واحدها: مصباح وهو السراج سُمي الكوكب مصباحًا لإضاءته (وَجَعَلْنَاهَا) على جنس المصابيح لا على عينها لأنه لا يرمى بالكواكب التي في السماء بل بشهب (رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ) الذين يريدون استراق خبر السماء فهذه الشهب التي ترمى من النجوم أعدها الله في الدنيا للشياطين (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ) في الآخرة (عَذَابِ السَّعِيرِ) النار الموقدة لأنهم تمردوا على الله وأضلوا عباده ولهذا كان اتباعهم من الكفار مثلهم قد أعد الله لهم عذاب السعير فلهذا قال (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي بئس المآل والمنقلب التي يهان بها أهلها غاية الهوان (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا) أي لجهنم وهو متعلق بمحذوف وقع حال من قوله تعالى (شَهِيقًا) لأنه في الأصل صفته فلما قدمت صارت حالاً أي سمعوا صوتاً عالياً فظيعاً (وَهِيَ تَفُورُ) تغلي بهم كغلي المِرْجل .

قوله (تَكَادُ تَمَيَّزُ) تكاد ينفصل بعضها من بعض (مِنَ الْغَيْظِ) من شدة غيظها عليهم وحنقها بهم (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ) جماعة منهم (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا) سؤال توبيخ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) رسول ينذركم، (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا) للرسل (مَا نـزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) فجمعوا بين تكذيبهم الحاضر والتكذيب العام بكل ما أنزل الله ولم يكفهم ذلك حتى أعلنوا بضلال الرسل المنذرين وهم الهداة المهتدون ولم يكتفوا بمجرد الضلال بل جعلوا ضلالهم ضلالاً كبيراً فأي عناد وتكبر وظلم يشبه هذا، (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) من الرسل ما جاؤنا به (أَوْ نَعْقِلُ) منهم قال ابن عباس: لو كنا نسمع الهدى أو نعقله فنعمل به (مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فنفوا عن أنفسهم طرق الهدى وهي السمع لما أنزل الله وجاءت به الرسل والعقل الذي ينفع صاحبه ويوقفه على حقائق الأشياء وإيثارالخير والإنزجار عن كل ما عاقبته ذميمة فلا سمع لهم ولا عقل وهذا بخلاف أهل اليقين والعرفان وأرباب الصدق والإيمان فإنهم أيدوا إيمانهم بالأدلة السمعية فسمعوا ما جاء من عند الله وجاء به رسول الله علماً ومعرفة وعملاً والأدلة العقلية المعرفة للهدى من الضلال والحسن من القبيح والخير من الشر وهم في الإيمان بحسب ما من الله عليهم به من الاقتداء بالمعقول والمنقول فسبحان من يختص بفضله من يشاء ويمن على من يشاء من عباده ويخذل من لا يصلح للخير .

قال تعالى عن هؤلاء الداخلين النار المعترفين بظلمهم وعنادهم (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا) بعدًا (لأصْحَابِ السَّعِيرِ) قرأ أبو جعفر والكسائي فسُحُقا بضم الحاء، وقرأ الباقون بسكونها وهما لغتان مثل الرُّعُب والرّعْب والسُّحُت والسُّحْت .

فما أشقاهم وأرداهم حيث فاتهم ثواب الله وكانوا ملازمين السعير التي تستمر في أبدانهم وتطلع على أفئدتهم .

عن أبي البَختري الطائي قال: أخبرني من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال (لن يَهلك الناس حتى يُعذِروا من أنفسهم) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني

إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ 12 وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ 13 أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ 14 هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ 15 ءأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ 16

لما ذكر حالة الاشقياء الفجار ذكر وصف الأبرار السعداء فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) يقول تعالى مخبرًا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبًا عن الناس، فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات، حيث لا يراه أحد إلا الله، بأنه له مغفرة وأجر كبير، أي:يكفر عنه ذنوبه، ويجازى بالثواب الجزيل، كما ثبت في الصحيحين (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، فذكر منهم (رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال: إني أخاف الله، ورجلا تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه)، (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) وأخفوا قولكم أيها الناس في أي أمر من أموركم أو اعلنوه فهما عند الله سواء ؛ إنه سبحانه عليم بمضمرات الصدور .

فقال الله جل ذكره: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) ألا يعلم ما في الصدور (مَنْ) خلقها (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) لطيف علمه في القلوب الخبير بما فيها من الخير والشر والوسوسة .

قوله (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا) سهلا لا يمتنع المشي فيها فهي لينة يسهل عليكم السلوك فيها (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) في جوانبها ، والأصل في الكلمة الجانب، ومنه منكب الرجل والريح النكباء وَتنكَّب فلان أي جانب (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) مما خلقه رزقًا لكم في الأرض (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) أي: وإليه تبعثون من قبوركم ثم خوَّف الكفار فقال (ءأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أي عذاب مَنْ في السماء إن عصيتموه (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) والمعنى: أن الله تعالى يحرِّك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيهم إلى أسفل، تعلو عليهم وتمر فوقهم يقال: مَارَ يَمُورُ، أي: جاء وذهب .

أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ 17 وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ 18 أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ 19 أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ 20 أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ 21 أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ 22

قوله (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) ريحًا ذات حجارة (فَسَتَعْلَمُونَ) في الآخرة وعند الموت (كَيْفَ نَذِيرِ) أي إنذاري إذا عاينتم العذاب

وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني كفار الأمم الماضية (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) أي إنكاري عليهم بالعذاب

قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ) تصف أجنحتها في الهواء (وَيَقْبِضْنَ) أجنحتها بعد البسط (مَا يُمْسِكُهُنَّ) في حال القبض والبسط أن يسقطن (إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ)، (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) استفهام إنكار قال ابن عباس: أي منعة لكم (يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ) يمنعكم من عذابه ويدفع عنكم ما أراد بكم (إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ) أي في غرور من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينـزل بهم، (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) أي من الذي يرزقكم المطر إن أمسك الله عنكم (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ) تمادٍ في الضلال (وَنُفُورٍ) تباعد من الحق وقال مجاهد: كفور ثم ضرب مثلا فقال (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ) راكبًا رأسه في الضلالة والجهالة أعمى القلب والعين لا يبصر يمينًا ولا شمالا وهو الكافر، (أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) معتدلا يبصر الطريق وهو (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو المؤمن .

قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ 23 قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ 24 وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 25 قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ 26

قوله (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ) يعني أنهم لا يشكرون رب هذه النعم (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْم عنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * فَلَمَّا رَأَوْهُ) يعني: العذاب في الآخرة.

فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ 27 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ 28 قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 29

زُلْفَةً أي قريبًا وهو اسم يوصف به المصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والاثنان والجميع سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا اسودت وعليها كآبة، والمعنى قبحت وجوههم بالسواد، يقال: ساء الشيء يسوء فهو سيئ إذا قبح، وسيئ يساء إذا قبح وَقِيلَ لها أي قال الخزنة هَذَا أي هذا العذاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ تفتعلون من الدعاء تدعون وتتمنون أنه يعجِّل لكم، وقرأ يعقوب تدعون بالتخفيف، وهي قراءة قتادة ومعناهما واحد مثل تذكرون وتذكرون .

قُلْ يا محمد لمشركي مكة الذين يتمنون هلاكك (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ) من المؤمنين (أَوْ رَحِمَنَا) فأبقانا وأخَّر آجالنا (فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) فإنه واقع بهم لا محالة (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ) الذي نعبده (آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ) قرأ الكسائي بالياء، وقرأ الباقون بالتاء (مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي ستعلمون عند معاينة العذاب من الضال منا نحن أم أنتم ؟

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ 30

قوله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا) غائرًا ذاهبًا في الأرض لا تناله الأيدي والدلاء.

تم تفسير سورة الملك ولله الحمد والمنة

28 - 9 - 1437هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 120 الجزء الثالث ‌‌حكم الإسلام في إحياء الآثار - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر