ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الثاني والأربعون: الحديث 32 نفي الضرر في الإسلام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 3 رجب 1437هـ | عدد الزيارات: 2832 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

" عنْ أَبي سَعيدٍ سَعدِ بنِ مَالِك بنِ سِنَانٍ الخُدريِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ " حَدِيْث حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ، وَالدَّارَقطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا مُسْنَدَاً، وَرَوَاَهُ مَالِكٌ في المُوَطَّأِ مُرْسَلاً عَنْ عَمْرو بنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيْهِ عَن النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْقَطَ أَبَا سَعِيْدٍ، وَلَهُ طُرُقٌ يُقَوِّيْ بَعْضُهَا بَعْضَاً، والحديث إذا اسقط منه الصحابي سمي مرسلاً، الحديث في ابن ماجه كتاب الأحكام باب من بنى في حقه ما يضر بجاره من حديث عبادة بن الصامت وابن عباس رضي الله عنهم، وفي الموطأ كتاب الأقضية باب القضاء في المرفق، ومن حديث أبي سعيد رضي الله عنه أخرجه الحاكم والبيهقي وقال الحاكم عنه صحيح الاسناد على شرط مسلم، وقال ابن رجب: وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث، وقال قال أبو عمرو بن الصلاح هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم واحتجوا به، وقال وقول أبي داود إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها يُشعر بكونه غير ضعيف والله أعلم

راوي الحديث:

أبو سعيد الخدري: الإمام المجاهد، مفتي المدينة سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج . واسم الأبجر: خدرة، وقيل: بل خدرة هي أم الأبجر، وأخو أبي سعيد لأمه هو قتادة بن النعمان الظفري أحد البدريين، استشهد أبوه مالك يوم أحد، وشهد أبو سعيد الخندق، وبيعة الرضوان، وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر وأطاب، وعن أبي بكر، وعمر، وطائفة، وكان أحد الفقهاء المجتهدين

حدث عنه: ابن عمر، وجابر، وأنس، وجماعة من أقرانه، وعامر بن سعد، وعمرو بن سليم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ونافع العمري، وبسر بن سعيد، وبشر بن حرب الندبي، وأبو الصديق الناجي، وأبو الوداك، وأبو المتوكل الناجي، وأبو نضرة العبدي، وأبو صالح السمان، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن خباب، وعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وعبد الرحمن بن أبي نعم، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعطاء بن يزيد الليثي، وعطاء بن يسار، وعطية العوفي، وأبو هارون العبدي، وعياض بن عبد الله، وقزعة بن يحيى، ومحمد بن علي الباقر، وأبو الهيثم سليمان بن عمرو العتواري، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وخلق كثير

وروى حنظلة بن أبي سفيان، عن أشياخه: أنه لم يكن أحد من أحداث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من أبي سعيد الخدري

وعن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال: رأيت أبا سعيد يحفي شاربه كأخي الحلق

وقد روى بقي بن مخلد في مسنده الكبير لأبي سعيد الخدري بالمكرر ألف حديث ومئة وسبعين حديثا

قال الواقدي وجماعة: مات سنة أربع وسبعين

قال البخاري: قال: عليّ مات بعد الحرة بسنة، ففي البخاري ومسلم ثلاثة وأربعون، وانفرد البخاري بستة عشر حديثا، ومسلم باثنين وخمسين

أهمية الحديث:

قال أبو الدرداء: إن هذا الحديث من الأحاديث التي يدور الفقه عليها ومعناه أن الشريعة لا تقر الضرر وتنكر الإضرار

الشرح

قوله صلى الله عليه وسلم (لاَ ضَرَر) الضرر معروف، والضرر يكون في البدن والمال، والأولاد، والمواشي وغير ذلك

قوله صلى الله عليه وسلم (ولا ضرار) أي ولا مضارة والفرق بين الضرر والضرار: أن الضرر يحصل بدون قصد، والمضارة بقصد، ولهذا جاءت بصيغة المفاعلة

مثال ذلك: رجل له جار وعنده شجرة وإذا بجذور الشجره تدخل على جاره وتفسد عليه ولكنه لم يعلم بذلك فهذا نسمية ضرراً

مثال آخر: رجل بينه وبين جاره سوء تفاهم، فقال: لأفعلن به ما يضره، فصار يوقف سيارته أمام مدخل سيارة جاره وقصده الإضرار بجاره، فهذا نقول مضار

والمضار لا يرفع ضرره إذا تبين له بل هو قاصده، وأما الضرر فإنه إذا تبين لمن وقع منه الضرر رفعه

وهذا الحديث أصل عظيم في أبواب كثيرة، ولا سيما في المعاملات: كالبيع والشراء والرهن والارتهان، وكذلك في الأنكحة يضار الرجل زوجته أو هي تضار زوجها، وكذلك في الوصايا يوصي الرجل وصية يضر بها الورثة

فالقاعدة: متى ثبت الضرر وجب رفعه، ومتى ثبت الإضرار وجب رفعه مع عقوبة قاصد الإضرار

من ذلك مثلاً: كانوا في الجاهلية يطلق الرجل المرأة فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها، ثم طلقها ثانية فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها، ثم طلقها ثالثة ورابعة، لقصد الإضرار، فرفع الله تعالى ذلك إلى حد ثلاث طلقات فقط

مثال آخر: رجل طلق امرأته ولها أولاد منه، حضانتهم للأم إلا إذا تزوجت، والمرأة تريد أن تتزوج ولكن تخشى إذا تزوجت أن يأخذ أولاده، فتجده يهددها ويقول: إن تزوجتي أخذت الأولاد، وهو ليس له رغبة في الأولاد ولا يريدهم، ولو أخذهم لأضاعهم لكن قصده المضارة بالمرأة بأن لا تتزوج، فهذا لا شك أنه حرام وعدوان عليها

مثال آخر: رجل أوصى بعد موته بنصف ماله لرجل آخر من أجل أن ينقص سهام الورثة، فهذا محرم عليه مع أن للورثة أن يبطلوا ما زاد على الثلث

مثال آخر: رجل له ابن عم بعيد لا يرثه غيره، فأراد أن يضاره وأوصى بثلث ماله مضارة لابن العم البعيد أن لا يأخذ المال، فهذا أيضاً حرام

ولو سرنا على هذا الحديث لصلحت الأحوال، لكن النفوس مجبولة على الشح والعدوان، فتجد الرجل يضار أخاه، وتجده يحصل منه الضرر ولا يرفع الضرر

وليعلم أن من أضر بأخيه فقد ظلمه والظلم حرام كما تقدم، في حديث أبي ذر رقم 24 من هذا الشرح ورواه مسلم (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) رواه البخاري

فوائد الحديث

أولاً: لا تكليف في الإسلام بما فيه ضرر ولا نهي عما فيه نفع، وواضح لكل ذي عقل ينظر في شرع الله عز وجل أن الله تعالى أباح للعباد كل ما فيه سلامة عقولهم وصحة أبدانهم ولم يحضر عليهم إلا ما فيه الإخلال بحواسهم وقدراتهم وملكاتهم والإفساد والضرر بصحتهم وأبدانهم قال تعالى: قل من حرّم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة

ثانياً: رفع الحرج عن المكلف والتخفيف عنه عندما يوقعه ما كلف به في مشقة غير معتادة ولا غرابة في ذلك فإن هذا الدين دين التيسير، قال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ومن أمثلة التخفيف عن المكلف عند حصول المشقة: التيمم للمريض وعند عسر الحصول على الماء، قال تعالى: وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون

ثالثاً: المضارة في الإيلاء

قال تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم

مثال: أقسم رجل أن لا يجامع زوجته قبل مضي سنة فيعطى مهلة أربعة أشهر فإن جامعها خلال هذه المدة فعليه كفارة يمين وإن تجاوزها قال الجمهور يوقف لدى القاضي ويأمره بالعدول عن يمينه أو تخلع منه، فإن كان بدون يمين فلا كفارة عليه إذا عدل عن قراره، ويقاس عليه لو أطال السفر من غير عذر وطلبت امرأته قدومه فأبى فقال مالك وأحمد يفرق الحاكم بينهما

رابعاً: القاعدة الفقهية: لا ضرر ولا ضرار

مثال ذلك: أنه لو أتلف مال غيره لا يجوز أن يقابل بإتلاف ماله لأن ذلك توسيع للضرر بغير فائدة وهو ضرار ويضمن المتلف قيمة ما أتلف دفعاً للضرر عن صاحب المال

خامساً: القواعد الفرعية المندرجة تحت القاعدة الكلية: لا ضرر ولا ضرار

أـ الضرر يدفع بقدر الإمكان: أي يجب دفع الضرر قبل وقوعه والحيلولة دون حدوثه ما أمكن لأن الدفع أسهل من الرفع

ب ـ الضرر يزال: أي يجب رفع الضرر الذي وقع وترميم ما ترتب عليه من آثار

ج ـ الضرر لا يزال بمثله: أي لا يجوز إزالة الضرر الواقع بإحداث ضرر آخر مثله أو أكثر منه

د ـ الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف: أي يختار أهون الشرين

هـ ـ يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام

و ـ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح

ز ـ إذا تعارض المانع والمقتضي يقدم المانع

ونختم بالقول الضرر لا يكون قديماً أي يزال ولو كان قديماً

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/7/3هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر