ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 218 عُمْر المصطفى وقت البعثة

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 25 جمادى الآخرة 1437هـ | عدد الزيارات: 1680 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

روى أحمد عن ابن عباس قال: بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل عليه القرآن وهو ابن أربعين سنة ، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة عشر سنين ، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة، قال أبو شامة : وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى عجائب قبل بعثته ، فمن ذلك ما في صحيح مسلم عن جابر بن سَمرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بمَكَّةَ كانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أُبْعَثَ إنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ."


وإنما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الخلاء والانفراد عن قومه ؛ لما يراهم عليه من الضلال المبين من عبادة الأوثان ، والسجود للأصنام ، وقويت محبته للخلوة عند مقاربة إيحاء الله إليه ، صلوات الله وسلامه عليه

وكان تعبده عليه السلام قبل البعثة على شرع إبراهيم، وهو الأشبه حتى فجئه الحق وهو بغار حراء أي جاء بغتة على غير موعد ، كما قال تعالى :" وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك "الآية (القصص: 86) وقد كان نزول صدر هذه السورة الكريمة ، وهي : " اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم" وهي أول ما نزل من القرآن في يوم الإثنين ، كما ثبت في " صحيح مسلم " عن أبي قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم يوم الاثنين ، فقال :" ذاك يوم ولدت فيه ويوم أنزل علي فيه " وقال ابن عباس : ولد نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم الإثنين ، ونبئ يوم الإثنين وهكذا قال عبيد بن عمير وأبو جعفر الباقر وغير واحد من العلماء أنه ، عليه الصلاة والسلام ، أوحي إليه يوم الإثنين ، وهذا ما لا خلاف فيه بينهم.


وكان ذلك في شهر ربيع الأول عن ابن عباس وجابر أنه ولد ، عليه السلام ، في الثاني عشر من ربيع الأول يوم الإثنين ، وفيه بعث ، وفيه عرج به إلى السماء والمشهور أنه بعث عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان ، كما نص على ذلك عبيد بن عمير ومحمد بن إسحاق وغيرهما قال ابن إسحاق مستدلا على ذلك بما قال الله تعالى :" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس " (البقرة : 185)

وروى الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان " وروى ابن مردويه في تفسيره عن جابر بن عبد الله مرفوعا نحوه ، ولهذا ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن ليلة القدر ليلة أربع وعشرين .

وأما قول جبريل : اقرأ فقال : " ما أنا بقارئ " فالصحيح أن قوله : " ما أنا بقارئ " نفي ، أي لست ممن يحسن القراءة وممن رجحه النووي وقبله الشيخ أبو شامة وروى أبي نُعيم من حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو خائف يرعد : " ما قرأت كتابا قط ، ولا أحسنه ، وما أكتب ، وما أقرأ " فأخذه جبريل ، فغته غتا شديدا ، ثم تركه ، فقال له : اقرأ فقال محمد - صلى الله عليه وسلم - : ما أرى شيئا أقرأه ، وما أكتب " يروى : " فغطني " كما في " الصحيحين " و " غتني " ويروى " قد غتني " أي خنقني " حتى بلغ مني الجهد " يروى بضم الجيم ، وفتحها ، وبالنصب ، وبالرفع ، وفعل به ذلك ثلاثا

قال أبو سليمان الخطابي : وإنما فعل ذلك به ؛ ليبلو صبره ، ويحسن تأديبه ، فيرتاض لاحتمال ما كلفه به من أعباء النبوة ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم وتأخذه الرحضاء أي البهر والعرق وقال غيره : إنما فعل ذلك لأمور منها : أن يستيقظ لعظمة ما يلقى إليه ، بعد هذا الصنيع المشق على النفوس ، كما قال تعالى :" إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " (المزمل : 5) ولهذا كان ، عليه الصلاة والسلام ، إذا جاءه الوحي يحمر وجهه ، ويغط كما يغط البَكر من الإبل ، ويتفصد جبينه عرقا في اليوم الشديد البرد

فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خديجة يرجف فؤاده
فقال : " زملوني زملوني " فلما ذهب عنه الروع ، قال لخديجة : " مالي ؟ أي شيء عرض لي ؟ " وأخبرها ما كان من الأمر ، ثم قال : " لقد خشيت على نفسي " وذلك لأنه شاهد أمرا لم يعهده قبل ذلك ، ولا كان في خلده ولهذا قالت خديجة : أبشر ، كلا والله ، لا يخزيك الله أبدا قيل : من الخزي وقيل : من الحزن وهذا لعلمها بما أجرى الله به جميل العوائد في خلقه أن من كان متصفا بصفات الخير لا يخزى في الدنيا ، ولا في الآخرة ، ثم ذكرت له من صفاته الجليلة ، ما كان من سجاياه الحسنة ، فقالت : إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث وقد كان مشهورا بذلك ، صلوات الله وسلامه عليه عند الموافق والمفارق وتحمل الكل : أي عن غيرك ، تعطي صاحب العيلة ما يريحه من ثقل مؤنة عياله وتكسب المعدوم أي تسبق إلى فعل الخير ، فتبادر إلى إعطاء الفقير ، فتكسب حسنته قبل غيرك ، ويسمى الفقير معدوما ; لأن حياته ناقصة ، فوجوده وعدمه سواء ، كما قال

ليس من مات فاستراح بميت *** إنما الميت ميت الأحياء

وقال أبو الحسن التهامي فيما نقله عنه القاضي عياض في " شرح مسلم "

عد ذا الفقر ميتا وكساه *** كفناً باليا ومأواه قبرا

وتقري الضيف أي تكرمه في تقديم قراه ، وإحسان مأواه ، وتعين على نوائب الحق
ثم أخذته فانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان شيخا كبيرا قد عمي، وأنه كان ممن تنصر في الجاهلية ، ففارقهم وارتحل إلى الشام ، هو وزيد بن عمرو وعثمان بن الحويرث وعبيد الله بن جحش فتنصروا كلهم ; لأنهم وجدوه أقرب الأديان - إذ ذاك - إلى الحق ، إلا زيد بن عمرو بن نفيل فإنه رأى فيه دخلا وتخبيطا ، وتبديلا ، وتحريفا ، وتأويلا ، فأبت فطرته الدخول فيه أيضا ، وبشروه الأحبار والرهبان بوجود نبي ، قد أزف زمانه ، واقترب أوانه ، فرجع يتطلب ذلك ، واستمر على فطرته وتوحيده ، لكن اخترمته المنية قبل البعثة المحمدية ، وأدركها ورقة بن نوفل وكان يتوسمها في رسول الله - صلى الله عليه وسلم، بما كانت خديجة تنعته له وتصفه له ، وما هو منطو عليه من الصفات الطاهرة الجميلة ، وما ظهر عليه من الدلائل والآيات ، ولهذا لما وقع ما وقع ، أخذت بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءت به إليه ، فوقفت به عليه ، وقالت : ابن عم ، اسمع من ابن أخيك فلما قص عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى ، قال ورقة : سبوح سبوح ، هذا الناموس الذي أنزل على موسى ولم يذكر عيسى ، وإن كان متأخرا بعد موسى ; لأنه كانت شريعته متممة ومكملة لشريعة موسى ، عليهما السلام ، ونسخت بعضها ، على الصحيح من قول العلماء ، كما قال :" ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم" ( آل عمران : 50 )

وقول ورقة هذا كما قالت الجن :" يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم" (الأحقاف : 30)

ثم قال ورقة : يا ليتني فيها جذعا ، أي يا ليتني أكون اليوم شابا ، متمكنا من الإيمان ، والعلم النافع ، والعمل الصالح يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك يعني : حتى أخرج معك ، وأنصرك ، فعندها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أومخرجي هم ؟ ! "لاقال السهيلي : وإنما قال ذلك ؛ لأن فراق الوطن شديد على النفوس

فقال : نعم ، إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا أي ; أنصرك نصرا عزيزا أبدا

ثم لم ينشب ورقة أن توفي بعد هذه القصة بقليل رحمه الله ورضي عنه، فإن مثل هذا الذي صدر عنه تصديق بما وجد ، وإيمان بما حصل من الوحي ، ونية صالحة للمستقبل

وروى الحافظ أبو يعلى عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ورقة بن نوفل فقال : أبصرته في بطنان الجنة ، وعليه السندس وسئل عن زيد بن عمرو بن نفيل فقال : يبعث يوم القيامة أمة وحده وسئل عن أبي طالب فقال" أخرجته من غمرة من جهنم إلى ضحضاح منها" وسئل عن خديجة؛ لأنها ماتت قبل الفرائض وأحكام القرآن ، فقال:" أبصرتها على نهر في الجنة في بيت من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب" إسناد حسن ، ولبعضه شواهد في " الصحيح " والله أعلم

وروى ابن إسحاق عن عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي وكان واعية ، عن بعض أهل العلم ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أراد الله كرامته وابتدأه بالنبوة كان إذا خرج لحاجة أبعد حتى تحسر عنه البيوت ، ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها ، فلا يمر بحجر ، ولا شجر ، إلا قال : السلام عليك يا رسول الله قال : فيلتفت حوله عن يمينه ، وعن شماله ، وخلفه ، فلا يرى إلا الشجر والحجارة ، فمكث كذلك يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث ، ثم جاءه جبريل ، عليه السلام ، بما جاء من كرامة الله ، وهو بحراء في رمضان

وروى ابن إسحاق عن وهب بن كيسان ، مولى آل الزبير قال : سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي : حدثنا يا عبيد كيف كان بدء ما ابتدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النبوة حين جاءه جبريل قال : فقال عبيد وأنا حاضر يحدث عبد الله بن الزبير ومن عنده من الناس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاور في حراء في كل سنة شهرا، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية والتحنث التبرر ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاور ذلك الشهر من كل سنة ، يطعم من جاءه من المساكين ، فإذا قضى جواره من شهره ذلك ، كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة ، قبل أن يدخل بيته ، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك ، ثم يرجع إلى بيته ، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله به فيه ما أراد من كرامته من السنة التي بعثه فيها ، وذلك الشهر رمضان ، خرج إلى حراء كما كان يخرج لجواره ، ومعه أهله ، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ، ورحم العباد به ، جاءه جبريل بأمر الله تعالى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فجاءني جبريل ، وأنا نائم بنمط من ديباج ، فيه كتاب فقال : اقرأ قلت : " ما أقرأ " قال : فغتني حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ قلت : " ما أقرأ " قال : فغتني حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ قلت : " ما أقرأ " قال : فغتني حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ قلت :ماذا أقرأ ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم العلق : 15 قال : " فقرأتها ، ثم انتهى وانصرف عني ، وهببت من نومي ، فكأنما كتب في قلبي كتابا " قال : " فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل ، سمعت صوتا من السماء ، يقول : يا محمد ، أنت رسول الله ، وأنا جبريل ، قال : فرفعت رأسي إلى السماء أنظر ، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء ، يقول : يا محمد أنت رسول الله ، وأنا جبريل فوقفت أنظر إليه ، فما أتقدم وما أتأخر ، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء ، فما أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك ، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي ، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، فبلغوا مكة ، ورجعوا إليها ، وأنا واقف في مكاني ذلك ، ثم انصرف عني ، وانصرفت راجعا إلى أهلي ، حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها ، فقالت : يا أبا القاسم ، أين كنت ؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ، ورجعوا إلي ثم حدثتها بالذي رأيت ، فقالت : أبشر يا ابن العم ، واثبت فوالذي نفس خديجة بيده ، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل فأخبرته بما أخبرها به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ورقة : قدوس قدوس ، والذي نفس ورقة بيده ، لئن كنت صدقتني ، يا خديجة ، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، وإنه لنبي هذه الأمة ، وقولي له : فليثبت فرجعت خديجة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بقول ورقة فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جواره ، وانصرف صنع كما كان يصنع ، بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة ، فقال : يا ابن أخي ، أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره ، فقال له ورقة : والذي نفسي بيده ، إنك لنبي هذه الأمة ، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ، ولتكذبنه ، ولتؤذينه ، ولتخرجنه ، ولتقاتلنه ، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ، ثم أدنى رأسه منه ، فقبل يأفوخه ، ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله

وهذا الذي ذكره عبيد بن عمير كالتوطئة لما جاء بعده من اليقظة من قول عائشة رضي الله عنها فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ويحتمل أن هذا المنام كان بعد ما رآه في اليقظة صبيحة ليلتئذ

وروى موسى بن عقبة عن سعيد بن المسيب قال وكان فيما بلغنا أول ما رأى يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى أراه رؤيا في المنام ، فشق ذلك عليه ، فذكرها لامرأته خديجة ، فعصمها الله عن التكذيب ، وشرح صدرها للتصديق ، فقالت : أبشر ; فإن الله لن يصنع بك إلا خيرا ثم إنه خرج من عندها ، ثم رجع إليها ، فأخبرها أنه رأى بطنه شق ، ثم غسل وطهر ، ثم أعيد كما كان قالت : هذا والله خير فأبشر ثم استعلن له جبريل ، وهو بأعلى مكة ، فأجلسه على مجلس كريم معجب ، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أجلسني على بساط كهيئة الدرنوك فيه الياقوت واللؤلؤ " فبشره برسالة الله ، عز وجل ، حتى اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له جبريل : اقرأ فقال : " كيف أقرأ " فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم

فقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسالة ربه ، واتبع ما جاءه به جبريل من عند الله ، فلما انصرف منقلبا إلى بيته ، جعل لا يمر على شجر ، ولا حجر ، إلا سلم عليه ، فرجع إلى أهله مسرورا موقنا أنه قد رأى أمرا عظيما ، فلما دخل على خديجة ، قال : " أرأيتك التي كنت أحدثك أني رأيته في المنام ؟ فإنه جبريل استعلن إلي ، أرسله إلي ربي عز وجل " وأخبرها بالذي جاءه من الله وما سمع منه فقالت : أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا ، واقبل الذي جاءك من أمر الله ; فإنه حق ، وأبشر ; فإنك رسول الله حقا ثم انطلقت مكانها ، فأتت غلاما لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس نصرانيا من أهل نينوى ، يقال له : عداس فقالت له : يا عداس أذكرك بالله إلا ما أخبرتني هل عندك علم من جبريل ؟ فقال : قدوس قدوس ، ما شأن جبريل يذكر بهذه الأرض التي أهلها أهل الأوثان ! فقالت : أخبرني بعلمك فيه قال : فإنه أمين الله بينه وبين النبيين ، وهو صاحب موسى وعيسى عليهما السلام

فرجعت خديجة من عنده ، فجاءت ورقة بن نوفل فذكرت له ما كان من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وما ألقاه إليه جبريل ، فقال لها ورقة : يا بنية أخي ، ما أدري لعل صاحبك النبي الذي ينتظر أهل الكتاب ، الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، وأقسم بالله لئن كان إياه ، ثم أظهر دعاءه وأنا حي ، لأبلين الله في طاعة رسوله ، وحسن مؤازرته للصبر والنصر فمات ورقة رحمه الله قال الزهري : فكانت خديجة أول من آمن بالله وصدق رسوله - صلى الله عليه وسلم -

قال الحافظ البيهقي بعد إيراده ما ذكرناه : والذي ذكر فيه من شق بطنه ، يحتمل أن يكون حكاية منه لما صنع به في صباه يعني شق بطنه عند حليمة ويحتمل أن يكون شق مرة أخرى ، ثم ثالثة حين عرج به إلى السماء والله أعلم

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة ورقة بإسناده إلى سليمان بن طرخان التيمي قال بلغنا أن الله تعالى بعث محمدا رسولا ، على رأس خمسين سنة من بناء الكعبة ، وكان أول شيء اختصه به من النبوة والكرامة رؤيا كان يراها ، فقص ذلك على زوجته خديجة بنت خويلد ، فقالت له : أبشر ، فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا فبينما هو ذات يوم في حراء ، وكان يفر إليه من قومه ، إذ نزل عليه جبريل ، فدنا منه ، فخافه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخافة شديدة ، فوضع جبريل يده على صدره ومن خلفه بين كتفيه ، فقال : اللهم احطط وزره ، واشرح صدره ، وطهر قلبه ، يا محمد ، أبشر ; فإنك نبي هذه الأمة ، اقرأ فقال له نبي الله وهو خائف يرعد : " ما قرأت كتابا قط ، ولا أحسنه ، وما أكتب ، وما أقرأ " فأخذه جبريل ، فغته غتا شديدا ، ثم تركه ، ثم قال له : اقرأ فأعاد عليه مثله ، فأجلسه على بساط كهيئة الدرنوك ، فرأى فيه من صفاته وحسنه كهيئة اللؤلؤ والياقوت ، وقال له اقرأ باسم ربك الذي خلق الآيات ثم قال له : لا تخف يا محمد ، إنك رسول الله ثم انصرف ، وأقبل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - همه ، فقال : " كيف أصنع وكيف أقول لقومي ؟ " ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو خائف ، فأتاه جبريل من أمامه في صورة نفسه ، فأبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرا عظيما ملأ صدره ، فقال له جبريل : لا تخف يا محمد ، جبريل رسول الله إلى أنبيائه ورسله ، فأيقن بكرامة الله ; فإنك رسول الله فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يمر على شجر ; ولا حجر ; إلا هو ساجد يقول : السلام عليك يا رسول الله فاطمأنت نفسه ، وعرف كرامة الله إياه ، فلما انتهى إلى زوجته خديجة أبصرت ما بوجهه من تغير لونه ، فأفزعها ذلك ، فقامت إليه ، فلما دنت منه جعلت تمسح عن وجهه ، وتقول : لعلك لبعض ما كنت ترى وتسمع قبل اليوم فقال : " يا خديجة ، أرأيت الذي كنت أرى في المنام ، والصوت الذي كنت أسمع في اليقظة وأهال منه ؟ فإنه جبريل قد استعلن لي ، وكلمني ، وأقرأني كلاما فزعت منه ، ثم عاد إلي فأخبرني أني نبي هذه الأمة ، فأقبلت راجعا ، فأقبلت على شجر وحجارة ، فقلن : السلام عليك يا رسول الله " فقالت خديجة : أبشر ; فوالله لقد كنت أعلم أن الله لن يفعل بك إلا خيرا ، وأشهد أنك نبي هذه الأمة الذي تنتظرهاليهود ، قد أخبرني به ناصح ; غلامي وبحيرى الراهب وأمرني أن أتزوجك منذ أكثر من عشرين سنة فلم تزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى طعم وشرب وضحك ، ثم خرجت إلى الراهب ، وكان قريبا من مكة ، فلما دنت منه ، وعرفها قال : ما لك يا سيدة نساء قريش ؟ فقالت : أقبلت إليك لتخبرني عن جبريل فقال : سبحان الله ربنا القدوس ! ما بال جبريل يذكر في هذه البلاد التي يعبد أهلها الأوثان ؟ ! جبريل أمين الله ورسوله إلى أنبيائه ورسله ، وهو صاحب موسى وعيسى فعرفت كرامة الله لمحمد ، ثم أتت عبدا لعتبة بن ربيعة يقال له : عداس فسألته فأخبرها بمثل ما أخبرها به الراهب وأزيد قال : جبريل كان مع موسى حين أغرق الله فرعون وقومه ، وكان معه حين كلمه الله على الطور ، وهو صاحب عيسى ابن مريم الذي أيده الله به ثم قامت من عنده فأتت ورقة بن نوفل فسألته عن جبريل ، فقال لها مثل ذلك ، ثم سألها : ما الخبر ؟ فأحلفته أن يكتم ما تقول له ، فحلف لها ، فقالت له : إن ابن عبد الله ذكر لي وهو صادق أحلف بالله ما كذب ولا كذب أنه نزل عليه جبريل بحراء ، وأنه أخبره أنه نبي هذه الأمة ، وأقرأه آيات أرسل بها قال : فذعر ورقة لذلك ، وقال : لئن كان جبريل قد استقرت قدماه على الأرض لقد نزل على خير أهل الأرض ، وما نزل إلا على نبي ، وهو صاحب الأنبياء والرسل ، يرسله الله إليهم ، وقد صدقتك عنه ، فأرسلي إلي ابن عبد الله أسأله ، وأسمع من قوله وأحدثه ; فإني أخاف أن يكون غير جبريل ; فإن بعض الشياطين يتشبه به ليضل به بعض بني آدم ، ويفسدهم حتى يصير الرجل بعد العقل الرضي مدلها مجنونا فقامت من عنده وهي واثقة بالله أن لا يفعل بصاحبها إلا خيرا ، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما قال ورقة فأنزل الله تعالى "ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون" (القلم : 1 ، 2) الآيات فقال لها : " كلا والله ، إنه لجبريل " فقالت له : أحب أن تأتيه فتخبره ; لعل الله أن يهديه فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له ورقة : هذا الذي جاءك ، جاءك في نور أو ظلمة ؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صفة جبريل ، وما رآه من عظمته ، وما أوحاه إليه ، فقال ورقة : أشهد أن هذا جبريل ، وأن هذا كلام الله ، فقد أمرك بشيء تبلغه قومك ، وإنه لأمر نبوة ، فإن أدرك زمانك أتبعك ثم: أبشر ابن عبد المطلب بما بشرك الله به

وذاع قول ورقة وتصديقه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشق ذلك على الملأ من قومه، وفتر الوحي ، فقالوا : لو كان من عند الله لتتابع ولكن الله قلاه فأنزل الله "والضحى والليل إذا سجى" (الضحى 1، 2) و "ألم نشرح" (الشرح : 1) بكمالهما

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/6/25 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 9 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي