قصة نبي الله أيوب عليه السلام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 14 محرم 1437هـ | عدد الزيارات: 1438 القسم: قصص الأنبياء -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال ابن إسحاق كان رجلا من الروم ، وهو أيوب بن موص بن رزاح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام ، وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النساء في قوله تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب النساء : 163 الآية وامرأته رحمة بنت أفرائيم بن يوسف بن يعقوب

قال الله تعالى : وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين الأنبياء : 83 - 84 وقال تعالى في سورة ص : واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ص : 41 - 44
قال علماء التفسير ، والتاريخ ، وغيرهم : كان أيوب رجلا كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه من الأنعام والعبيد والمواشي والأراضي المتسعة بأرض البثنية من أرض حوران وحكى ابن عساكر : أنها كلها كانت له ، وكان له أولاد وأهلون كثير ، فسلب من ذلك جميعه ، وابتلي في جسده بأنواع البلاء ، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله عز وجل بهما ، وهو في ذلك كله صابر محتسب ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره ، وصباحه ومسائه ، وطال مرضه حتى عافه الجليس ، وأوحش منه الأنيس، وانقطع عنه الناس ، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته كانت ترعى له حقه ، وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها ، فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه ، وتعينه على قضاء حاجته وتقوم بمصلحته ، وضعف حالها ، وقل مالها حتى كانت تخدم الناس بالأجر لتطعمه ، وتقوم بأوده رضي الله عنها وأرضاها وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد ، وما يختص بها من المصيبة بالزوج ، وضيق ذات اليد ، وخدمة الناس بعد السعادة والنعمة والخدمة ، والحرمة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ولم يزد هذا كله أيوب عليه السلام إلا صبرا واحتسابا ، وحمدا وشكرا ، حتى إن المثل ليضرب بصبره عليه السلام ، ويضرب المثل أيضا بما حصل له من أنواع البلايا ، وقد روي عن وهب بن منبه ، وغيره من علماء بني إسرائيل في قصة أيوب خبر طويل في كيفية ذهاب ماله وولده ، وبلائه في جسده ، والله أعلم بصحته ، وعن مجاهد أنه قال : كان أيوب عليه السلام أول من أصابه الجدري

وقال حميد : مكث في بلواه ثماني عشرة سنة وقال السدي : تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب ، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته ، فلما طال عليها قالت : يا أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك فقال : قد عشت سبعين سنة صحيحا فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة ، فجزعت من هذا الكلام ، وكانت تخدم الناس بالأجر ، وتطعم أيوب عليه السلام ، ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها لعلمهم أنها امرأة أيوب خوفا أن ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته ، فلما لم تجد أحدا يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير فأتت به أيوب فقال : من أين لك هذا ؟ وأنكره فقالت : خدمت به أناسا فلما كان الغد لم تجد أحدا فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضا ، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام ؟ فكشفت عن رأسها خمارها ، فلما رأى رأسها محلوقا قال في دعائه : أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين

وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان فجاءا يوما فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله علم من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا فجزع أيوب من قولهما جزعا لم يجزع من شيء قط مثله ، قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعانا ، وأنا أعلم مكان جائع فصدقني فصدق من السماء وهما يسمعان ، ثم قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط ، وأنا أعلم مكان عار فصدقني فصدق من السماء وهما يسمعان ، ثم قال : اللهم بعزتك وخر ساجدا ، فقال : اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبدا حتى تكشف عني فما رفع رأسه حتى كشف عنه

وروى ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين قال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب : لا أدري ما تقول غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله ، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق قال : وكان يخرج في حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يرجع ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن : اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فاستبطأته فتلقته تنظر ، وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء ، وهو على أحسن ما كان ، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك ، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟ فوالله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا قال : فإني أنا هو قال : وكان له أندران ؛ أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض ، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض هذا لفظ ابن جرير

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه عز وجل : يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال : بلى يا رب ، ولكن لا غنى لي عن بركتك

وقوله : اركض برجلك أي اضرب الأرض برجلك فامتثل ما أمر به فأنبع الله له عينا باردة الماء ، وأمر أن يغتسل فيها ، ويشرب منها ، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض ، الذي كان في جسده ظاهرا وباطنا ، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة ، وجمالا تاما ، ومالا كثيرا حتى صب له من المال صبا مطرا عظيما جرادا من ذهب ، وأخلف الله له أهله ، كما قال تعالى : وآتيناه أهله ومثلهم معهم، فآجره فيمن سلف ، وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم ، وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة وقوله : رحمة من عندنا أي رفعنا عنه شدته ، وكشفنا ما به من ضر رحمة منا به ورأفة وإحسانا وذكرى للعابدين أي تذكرة لمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب ، حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك ، فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : رد الله إليها شبابها وزادها حتى ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا

وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية ، ثم غيروا بعده دين إبراهيم وقوله : خذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام فيما كان من حلفه ليضربن امرأته مائة سوط فقيل : حلفه ذلك لبيعها ضفائرها وقيل : لأنه اعترضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب ، فأتته فأخبرته ، فعرف أنه الشيطان فحلف ليضربنها مائة سوط ، فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ ضغثا ، وهو كالعثكال الذي يجمع الشماريخ فيجمعها كلها ويضربها به ضربة واحدة ، ويكون هذا منزلا منزلة الضرب بمائة سوط ، ويبر ولا يحنث وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله ، وأطاعه ، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة المكابدة الصديقة البارة الراشدة رضي الله عنها ؛ ولهذا عقب الله هذه الرخصة ، وعللها بقوله : إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب

وقد ذكر ابن جرير ، وغيره من علماء التاريخ أن أيوب عليه السلام لما توفي كان عمره ثلاثا وتسعين سنة وقيل : إنه عاش أكثر من ذلك وقد روى ليث عن مجاهد ما معناه : أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليه السلام على الأغنياء ، وبيوسف عليه السلام على الأرقاء ، وبأيوب عليه السلام على أهل البلاء رواه ابن عساكر بمعناه

وبالله التوفيق

21-12-1436 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي