قصة إسماعيل وإسحاق عليهما السلام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 14 محرم 1437هـ | عدد الزيارات: 2796 القسم: قصص الأنبياء -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كان للخليل بنون ولكن أشهرهم الأخوان النبيان العظيمان الرسولان أسنهما وأجلهما الذي هو الذبيح على الصحيح إسماعيل بكر إبراهيم الخليل من هاجر القبطية المصرية عليها السلام من العظيم الجليل ، ومن قال : إن الذبيح هو إسحاق فإنما تلقاه من نقلة بني إسرائيل الذين بدلوا وحرفوا وأولوا التوراة والإنجيل وخالفوا بأيديهم في هذا من التنزيل فإن إبراهيم أمر بذبح ولده البكر ، وفي رواية الوحيد وأيا ما كان فهو إسماعيل بنص الدليل ففي نص كتابهم إن إسماعيل ولد ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة ، وإنما ولد إسحاق بعد مضي مائة سنة من عمر الخليل ، فإسماعيل هو البكر لا محالة ، وهو الوحيد صورة ومعنى على كل حالة أما في الصورة فلأنه كان وحده ولده أزيد من ثلاث عشرة سنة ، وأما أنه وحيد في المعنى فإنه هو الذي هاجر به أبوه ومعه أمه هاجر وكان صغيرا رضيعا فيما قيل فوضعهما في وهاد جبال فاران ، وهي الجبال التي حول مكة ، نعم المقيل ، وتركهما هنالك ليس معهما من الزاد والماء إلا القليل ، وذلك ثقة بالله وتوكلا عليه ، فحاطهما الله تعالى بعنايته وكفايته فنعم الحسيب والكافي والوكيل والكفيل

فهذا هو الولد الوحيد في الصورة ، والمعنى ، ولكن أين من يتفطن لهذا السر ؟ وأين من يحل بهذا المحل ؟ والمعنى لا يدركه ، ويحيط بعلمه إلا كل نبيه نبيل

وقد أثنى الله تعالى عليه ، ووصفه بالحلم والصبر وصدق الوعد والمحافظة على الصلاة والأمر بها لأهله ليقيهم العذاب ، مع ما كان يدعو إليه من عبادة رب الأرباب قال تعالى : فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين الصافات : 101 - 102 فطاوع أباه على ما إليه دعاه ووعده بأن سيصبر ، فوفى بذلك وصبر وقال تعالى : واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا مريم : 54 - 55 وقال تعالى : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار ص : 45 - 48 وقال تعالى : وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين الأنبياء : 85 - 86 وقال تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط النساء : 163 الآية وقال تعالى : قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط البقرة : 136 الآية ونظيرتها من السورة الأخرى وقال تعالى : أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله البقرة : 140 الآية فذكر الله عنه كل صفة جميلة ، وجعله نبيه ورسوله ، وبرأه من كل ما نسب إليه الجاهلون ، وأمر بأن يؤمن بما أنزل عليه عباده المؤمنون وذكر علماء النسب وأيام الناس : أنه أول من ركب الخيل ، وكانت قبل ذلك وحوشا فأنسها وركبها ، وقد قال سعيد بن يحيى الأموي في مغازيه : حدثنا شيخ من قريش ، حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتخذوا الخيل واغتبقوها فإنها ميراث أبيكم إسماعيل وكانت هذه العراب وحشا فدعا لها بدعوته التي كان أعطي فأجابته ، وإنه أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة ، وكان قد تعلمها من العرب العاربة الذين نزلوا عندهم بمكة من جرهم والعماليق وأهل اليمن من الأمم المتقدمين من العرب قبل الخليل

وورد عن محمد بن علي بن الحسين ، عن آبائه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أول من فتق لسانه بالعربية البينة إسماعيل ، وهو ابن أربع عشرة سنة
وقد تزوج لما شب من العماليق امرأة ، وأن أباه أمره بفراقها ففارقها قال الأموي : وهي عمارة بنت سعد بن أسامة بن أكيل العملاقي ، ثم نكح غيرها ، فأمره أن يستمر بها فاستمر بها ، وهي السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي

وقيل : هذه ثالثة فولدت له اثني عشر ولدا ذكرا ، وقد سماهم محمد بن إسحاق رحمه الله ، وهم ؛ نابت ، وقيدر ، وأذبل ، وميشى ، ومسمع ، وماش ، ودما ، وأدر ، ويطور ، وبنش ، وطيما ، وقيذما وهكذا ذكرهم أهل الكتاب في كتابهم ، وكان إسماعيل عليه السلام رسولا إلى أهل تلك الناحية وما والاها من قبائل جرهم والعماليق وأهل اليمن صلوات الله وسلامه عليه ، ولما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق ، وزوج ابنته نسمة من ابن أخيه العيص بن إسحاق فولدت له الروم وقد ذكرت في قصة نوح أن يافث بن نوح هو أبو الروم ، ويقال لهم : بنو الأصفر لصفرة كانت في العيص

ودفن إسماعيل نبي الله بالحجر مع أمه هاجر ، وكان عمره يوم مات مائة وسبعا وثلاثين سنة وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال : شكا إسماعيل عليه السلام إلى ربه عز وجل حر مكة فأوحى الله إليه أني سأفتح لك بابا إلى الجنة إلى الموضع الذي تدفن فيه تجري عليك روحها إلى يوم القيامة

وعرب الحجاز كلهم ينتسبون إلى ولديه نابت وقيدار

ولد إسحاق ولأبيه مائة سنة بعد أخيه إسماعيل بأربع عشرة سنة ، وكان عمر أمه سارة حين بشرت به تسعين سنة قال الله تعالى : وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين الصافات : 112 ، 113 وقد ذكره الله تعالى بالثناء عليه في غير ما آية من كتابه العزيز ، وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وذكر أهل الكتاب أن إسحاق لما تزوج رفقا بنت ثبوائيل في حياة أبيه كان عمره أربعين سنة ، وأنها كانت عاقرا فدعا الله لها فحملت فولدت غلامين توءمين أولهما سموه عيصو ، وهو الذي تسميه العرب العيص وهو والد الروم ، والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسموه يعقوب ، وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل قالوا : وكان إسحاق يحب العيص أكثر من يعقوب لأنه بكره ، وكانت أمهما رفقا تحب يعقوب أكثر لأنه الأصغر قالوا : فلما كبر إسحاق ، وضعف بصره اشتهى على ابنه العيص طعاما ، وأمره أن يذهب فيصطاد له صيدا ، ويطبخه له ليبارك عليه ويدعو له ، وكان العيص صاحب صيد فذهب يبتغي ذلك فأمرت رفقا ابنها يعقوب أن يذبح جديين من خيار غنمه ، ويصنع منهما طعاما ، كما اشتهاه أبوه ، ويأتي إليه به قبل أخيه ليدعو له وقامت فألبسته ثياب أخيه ، وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين ؛ لأن العيص كان أشعر الجسد ويعقوب ليس كذلك ، فلما جاءه به وقربه إليه قال : من أنت ؟ قال : ولدك فضمه إليه وجسه ، وجعل يقول : أما الصوت فصوت يعقوب ، وأما الجس والثياب فالعيص ، فلما أكل وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدرا ، وكلمته عليهم ، وعلى الشعوب بعده ، وأن يكثر رزقه وولده فلما خرج من عنده جاء أخوه العيص بما أمره به والده يقربه إليه ، فقال له : ما هذا يا بني ؟ قال : هذا الطعام الذي اشتهيته فقال : أما جئتني به قبل الساعة وأكلت منه ودعوت لك فقال : لا والله وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك فوجد في نفسه عليه وجدا كثيرا وذكروا أنه تواعده بالقتل إذا مات أبوهما ، وسأل أباه فدعا له بدعوة أخرى ، وأن يجعل لذريته غليظ الأرض ، وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم ، فلما سمعت أمهما ما يتواعد به العيص أخاه يعقوب أمرت ابنها يعقوب أن يذهب إلى أخيها لابان الذي بأرض حران ، وأن يكون عنده إلى حين يسكن غضب أخيه عليه ، وأن يتزوج من بناته ، وقالت لزوجها إسحاق أن يأمره بذلك ويوصيه ويدعو له ففعل فخرج يعقوب عليه السلام من عندهم آخر ذلك اليوم فأدركه المساء في موضع فنام فيه أخذ حجرا فوضعه تحت رأسه ونام فرأى في نومه ذلك معراجا منصوبا من السماء إلى الأرض ، وإذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون ، والرب تبارك وتعالى يخاطبه ، ويقول له : إني سأبارك عليك ، وأكثر ذريتك ، وأجعل لك هذه الأرض ولعقبك من بعدك ، فلما هب من نومه فرح بما رأى ، ونذر لله لئن رجع إلى أهله سالما ليبنين في هذا الموضع معبدا لله عز وجل ، وأن جميع ما يرزقه من شيء يكون لله عشره ، ثم عمد إلى ذلك الحجر فجعل عليه دهنا يتعرفه به وسمى ذلك الموضع بيت إيل أي بيت الله ، وهو موضع بيت المقدس اليوم الذي بناه يعقوب بعد ذلك ، قالوا : فلما قدم يعقوب على خاله أرض حران إذا له ابنتان اسم الكبرى ليا ، واسم الصغرى راحيل ، فخطب إليه راحيل ، وكانت أحسنهما ، وأجملهما فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين ، فلما مضت المدة عمل خاله لابان طعاما ، وجمع الناس عليه ، وزف إليه ليلا ابنته الكبرى ليا ، وكانت ضعيفة العينين قبيحة المنظر ، فلما أصبح يعقوب إذا هي ليا ، فقال لخاله : لم غدرت بي ، وأنت إنما خطبت إليك راحيل فقال : إنه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجكها فعمل سبع سنين ، وأدخلها عليه مع أختها ، وكان ذلك سائغا في ملتهم ، ثم نسخ في شريعة التوراة ، وهذا وحده دليل كاف على وقوع النسخ ؛ لأن فعل يعقوب عليه السلام دليل على جواز هذا وإباحته ؛ لأنه معصوم ووهب لابان لكل واحدة من ابنتيه جارية ؛ فوهب لليا جارية اسمها زلفا ، ووهب لراحيل جارية اسمها بلها ، وجبر الله تعالى ضعف ليا بأن وهب لها أولادا فكان أول من ولدت ليعقوب روبيل ، ثم شمعون ، ثم لاوي ، ثم يهوذا ، فغارت عند ذلك راحيل ، وكانت لا تحبل فوهبت ليعقوب جاريتها بلها فوطئها فحملت وولدت له غلاما سمته دان ، وحملت وولدت غلاما آخر سمته يفثالي ، فعمدت عند ذلك ليا فوهبت جاريتها زلفا من يعقوب عليه السلام فولدت له جاد وأشير غلامين ذكرين ، ثم حملت ليا أيضا فولدت غلاما خامسا منها وسمته أيساخر ، ثم حملت وولدت غلاما سادسا سمته زابلون ، ثم حملت وولدت بنتا سمتها دينا ، فصار لها سبعة من يعقوب ، ثم دعت الله تعالى راحيل وسألته أن يهب لها غلاما من يعقوب ، فسمع الله نداءها وأجاب دعاءها فحملت من نبي الله يعقوب فولدت له غلاما عظيما شريفا حسنا جميلا سمته يوسف كل هذا ، وهم مقيمون بأرض حران ، وهو يرعى على خاله غنمه بعد دخوله على البنتين ست سنين أخرى فصار مدة مقامه عشرين سنة ، فطلب يعقوب من خاله لابان أن يسرحه ليمر إلى أهله فقال له خاله : إني قد بورك لي بسببك فسلني من مالي ما شئت فقال : تعطيني كل حمل يولد من غنمك هذه السنة أبقع ، وكل حمل ملمع أبيض بسواد ، وكل أملح ببياض ، وكل أجلح أبيض من المعز فقال : نعم فعمد بنوه فأبرزوا من غنم أبيهم ما كان على هذه الصفات من التيوس لئلا يولد شيء من الحملان على هذه الصفات ، وساروا بها مسيرة ثلاثة أيام عن غنم أبيهم قالوا : فعمد يعقوب عليه السلام إلى قضبان رطبة بيض من لوز ودلب ، فكان يقشرها بلقاء وبيضاء ، ويضعها في مساقي الغنم من المياه لينظر الغنم إليها فتفزع ، وتتحرك أولادها في بطونها فتصير ألوان حملانها كذلك وهذا يكون من باب خوارق العادات ، وينتظم في سلك المعجزات فصار ليعقوب عليه السلام أغنام كثيرة ودواب وعبيد ، وتغير له وجه خاله وبنيه ، وكأنهم انحصروا منه

وأوحى الله تعالى إلى يعقوب أن يرجع إلى بلاد أبيه وقومه ، ووعده بأن يكون معه فعرض ذلك على أهله فأجابوه مبادرين إلى طاعته ، فتحمل بأهله وماله ، فلما اقترب يعقوب من أرض ساعير تلقته الملائكة يبشرونه بالقدوم ، وبعث يعقوب البرد إلى أخيه العيصو يترقق له ويتواضع له ، فرجعت البرد وأخبرت يعقوب بأن العيص قد ركب إليك في أربعمائة راجل ، فخشي يعقوب من ذلك ، ودعا الله عز وجل وصلى له وتضرع إليه وتمسكن لديه ، وناشده عهده ووعده الذي وعده به وسأله أن يكف عنه شر أخيه العيص ، وأعد لأخيه هدية عظيمة وهي ؛ مائتا شاة ، وعشرون تيسا ، ومائتا نعجة ، وعشرون كبشا ، وثلاثون لقحة ، وأربعون بقرة ، وعشرة من الثيران ، وعشرون أتانا ، وعشرة من الحمر ، وأمر عبيده أن يسوقوا كلا من هذه الأصناف وحده ، وليكن بين كل قطيع وقطيع مسافة فإذا لقيهم العيص فقال للأول : لمن أنت ؟ ولمن هذه معك ؟ فليقل : لعبدك يعقوب ، أهداها لسيدي العيص وليقل الذي بعده كذلك ، وكذا الذي بعده ، وكذا الذي بعده ، ويقول كل منهم : وهو جاء بعدنا وتأخر يعقوب بزوجتيه وأمتيه وبنيه الأحد عشر بعد الكل بليلتين ، وجعل يسير فيهما ليلا ويكمن نهارا ، فلما كان وقت الفجر من الليلة الثانية تبدى له ملك من الملائكة في صورة رجل فظنه يعقوب رجلا من الناس فأتاه يعقوب ليصارعه ويغالبه ، فظهر عليه يعقوب فيما يرى إلا أن الملك أصاب وركه فعرج يعقوب ، فلما أضاء الفجر قال له الملك : ما اسمك ؟ قال : يعقوب قال : لا ينبغي أن تدعى بعد اليوم إلا إسرائيل فقال له يعقوب : ومن أنت ؟ وما اسمك ؟ فذهب عنه فعلم أنه ملك من الملائكة ، وأصبح يعقوب وهو يعرج من رجله فلذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النسا ، ورفع يعقوب عينيه فإذا أخوه عيص قد أقبل في أربعمائة راجل ، فتقدم أمام أهله ، فلما رأى أخاه العيص سجد له سبع مرات ، وكانت هذه تحيتهم في ذلك الزمان ، وكان مشروعا لهم ، كما سجدت الملائكة لآدم تحية له ، وكما سجد إخوة يوسف وأبواه له ، كما سيأتي ، فلما رآه العيص تقدم إليه واحتضنه وقبله وبكى ، ورفع العيص عينيه ، ونظر إلى النساء والصبيان ، فقال : من أين لك هؤلاء ؟ فقال : هؤلاء الذين وهب الله لعبدك فدنت الأمتان وبنوهما فسجدوا له ، ودنت ليا وبنوها فسجدوا له ، ودنت راحيل وابنها يوسف آخرا فسجدا له ، وعرض عليه أن يقبل هديته وألح عليه فقبلها ، ورجع العيص فتقدم أمامه ، ولحقه يعقوب بأهله وما معه من الأنعام والمواشي والعبيد قاصدين جبال ساعير ، فلما مر بساحورا ابتنى له بيتا ولدوابه ظلالا ، ثم مر على أورشليم قرية سحيم فنزل قبل القرية واشترى مزرعة بني حمور أبي سحيم بمائة نعجة ، فضرب هنالك فسطاطه وابتنى ثم مذبحا فسماه إيل إله إسرائيل ، وأمره الله ببنائه ليستعلن له فيه وهو بيت المقدس اليوم الذي جدده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما السلام ، وهو مكان الصخرة التي أعلمها بوضع الدهن عليها قبل ذلك

وذكر أهل الكتاب هنا قصة دينا بنت يعقوب من ليا ، وما كان من أمرها مع سحيم بن حمور الذي قهرها على نفسها وأدخلها منزله ، ثم خطبها من أبيها وإخوتها ، فقال إخوتها : لا نفعل إلا أن تختتنوا كلكم فنصاهركم وتصاهرونا ، فإنا لا نصاهر قوما غلفا فأجابوهم إلى ذلك ، واختتنوا كلهم ، فلما كان اليوم الثالث واشتد وجعهم من ألم الختان ، مال عليهم بنو يعقوب فقتلوهم عن آخرهم وقتلوا سحيما وأباه حمورا لقبيح ما صنعوا إليهم ، مضافا إلى كفرهم ، وما كانوا يعبدونه من أصنامهم فلهذا قتلهم بنو يعقوب ، وأخذوا أموالهم غنيمة ، والله أعلم

ثم حملت راحيل فولدت غلاما ، وهو بنيامين إلا أنها جهدت في طلقها به جهدا شديدا ، وماتت عقيبه فدفنها يعقوب في أفراث ، وهي بيت لحم ، وصنع يعقوب على قبرها حجرا ، وهي الحجارة المعروفة بقبر راحيل إلى اليوم وكان أولاد يعقوب الذكور اثني عشر رجلا ، فمن ليا ؛ روبيل ، وشمعون ، ولاوي ، ويهوذا ، وأيساخر ، وزابلون ومن راحيل ؛ يوسف ، وبنيامين ، ومن أمة راحيل ؛ دان ، ونفثالي ومن أمة ليا ؛ جاد ، وأشير عليهم السلام ، وجاء يعقوب إلى أبيه إسحاق فأقام عنده بقرية حبرون التي في أرض كنعان حيث كان يسكن إبراهيم ، ثم مرض إسحاق ومات عن مائة وثمانين سنة ، ودفنه ابناه العيص ويعقوب مع أبيه إبراهيم الخليل في المغارة التي اشتراها كما قدمنا والله سبحانه أعلم بذلك

وبالله التوفيق

21-12-1436 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي