ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

سلبيات الشبكة العنكبوتية

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 8 ذو القعدة 1436هـ | عدد الزيارات: 3715 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه

أما بعد، أيها الناس

أوصيكم بتقوى الله -تعالى-، فمن اتقى الله هداه، ووقاه شرور الدنيا: يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الانفال:29

إن الشباب هم عمادُ كلِّ أمة، وسبيلُ نهضتها، وهم الهدف الذي يُصوب إليهم الأعداء سهام مكرهم للنيل منهم: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ البقرة:120

ووسائل الأعداء في ذلك، وطرقهم متعددة، وأهمها وأخطرها: الإعلام الذي تطور في هذا العصر بخطوات متسارعة مذهلة، وآخرها الشبكة العنكبوتية التي أصبحت هي القوة المهيمنة على عقول وأفكار الناس عمومًا، والشباب على وجه الخصوص

وما نعيشه اليوم من انفتاحٍ عالمي وثورةٍ معلوماتية، وتقنياتٍ حديثةٍ، هي سلاحٌ ذو حدّين، بحسب ما يُبث فيها، وينشر من خلالها، فإن سُخِّرت لنشر الخير، وتثبيت العقيدة الصحيحة وتدعيم الأخلاق الفاضلة، والقيم العليا، كانت وسيلةً لا تُضاها في الإصلاح والبناء

وإن استعملت لضد ذلك كانت شرا مستطيرا، وبلاءً خطيرا، يهدم الدين، ويحطّم الأخلاق، ويدمر القيم، ويثبط العزائم والهمم، ويضيّع الأعمار فيما يضر ولا ينفع، ويجر الأمة نحو التحلل والانهيار، وإهمال مصالح الدنيا والآخرة

عباد الله: لقد أصبحت هذه النعمةُ نقمةً عند بعض من مرتادي هذه التقنية، بل أصبحت في بعض البيوت خطرًا، ومصيدة للشباب

ونحن لا ننكر فوائد هذه الشبكة، إذا استخدمت للعلم والفائدة

ولكن -للأسف- أن البعض أصبحوا يستخدمونها في الشر والفساد، فبعض المواقع على الشبكة العنكبوتية أصبحت تُروِّج للمجون والخلاعة، وأصبحت تزحف علينا بشرٍ وبلاءٍ متزايدٍ يومًا بعد يوم، حتى وصل الأمر إلى تشكيك شبابنا في عقيدتهم بعرض الفرق المنحرفة، لمحاربة الإسلام، وإيقاف مده، وتشويه حقائقه، والتلبيس على المسلمين وتشكيكهم في دينهم، وزعزعة الإيمان بنشر الشبهات للتشكيك في المبادئ والقيم، والإساءة إلى الدين والقرآن والرسول -صلى الله عليه وسلم-، فدخل من خلالها الشيطانُ وأعوانهُ إلى هؤلاء الشباب والفتيات، وأوقعوهم في أوكار الرذيلة

إن ما وقع من شبابنا في فتنة التكفير والتفجير، وانتشار كثيرٍ من المجون والفساد في المجتمع، ما هو إلا بسبب هذه الشبكة التي فتكت بالعقول والأفكار، وقضت على كثيرٍ من الأخلاق والقيم إلا من عصم الله

إن أعظم خطرٍ على شبابنا وفتياتنا بعد أن تعددت وسائلُ الإغواء والإغراء، هي مخاطرُ الشبكة العنكبوتية فأصبح لدى البعض من الشباب خصوصيةُ الاتصال بمن شاءوا كيف شاءوا

أيها المسلمون: إن تلك المواقع المنتشرة عبر الشبكات ،وما تحمله من سمومٍ وشبهاتٍ وشهواتٍ مضللة، لها أثرٌ كبيرٌ في إفساد النفوس وإضلالها، فأصبحت تفسد في لحظة واحدة ما لا تفسده القنوات الفضائية المحرمة سنين وأشهرا، فالمستخدم لها لا يتعامل فقط مع عمومياتٍ، بل يتعاملُ مع شخصيات واقعية في صور شاذة وسيئة، مما ينبئ عن كارثة في المجتمع بسبب الاستخدام السيئ لتلك التقنية، حتى صار بعض أبناء الإسلام عبر تلك المواقع المحرمة دعاة بلاءٍ وفسادٍ، وهدمٍ في المجتمع، يهدفون إلى نشر الرذيلة، وإشاعة الفاحشة، مُعرِضين عن قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.النور:19.

عباد الله: إن الشبكة العنكبوتية تُعرِّض كثيرًا من أبنائنا لمخاطرَ جسيمةٍ، وضياعٍ عظيم

وبعضُ الآباء يستخف بالأخطار التي قد تمثلها الشبكة فتركوا لأبنائهم وفتياتهم الأغرارَ الحرية التامة مع عدم الوعي بخطر مثل هذه الآلات، واطلقوا لهم العِنان بلا حسيب ولا رقيب، فتربى ونشأ على ذلك الأبناء، يسهرون على تلك المواقع المحرمة الليالي والأيام، ينظرون ما شاؤوا كيف شاؤوا، حتى قضت على مروءتهم وأخلاقهم، وأضاعت تلك الشبكة بحياة بعض الفتيات، وهدَمَت مستقبلهن، وقضت على حياتهن من خلال دخولهن تلك المواقع المشبوهة، والاتصالات المحرمة، فبدلوا: نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ إبراهيم:28

أيها المسلمون: إن دولًا غير مسلمةٍ أصبحت تستشعرُ هذا الخطر، وأخذت تُطالِبُ بتهذيب الشبكة وتوجيهها لما ينفعُ الناس

فمن واجبنا نحن المسلمين أفرادًا وجماعات آباء ومربين ومعلمين ومسؤولين: أن نعمل جاهدين لدرء هذه المفاسد، وذلك بتحصين الشباب من خلال التربية السليمة والأسرة الواعية، فكلُّ فردٍ مسؤول أمام الله عن تقصيره فيما يمكنُ أن يعملَه أمام هذه الفتن التي تغزونا، وتتطلبُ منا اليقظة والحزم والغيرة والعزيمة الصادقة

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ التحريم:6

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

وأستغفر الله العظيم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله العليم الخبير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا

أما بعد

أيها المسلمون: ومع خطرِ تلك التقنية الحديثة على عقول وأفكار أجيالنا، لا بد من ترسيم الشعور بأهمية الأخلاق وإحيائها في نفوس شبابنا وفتياتنا، وتحذيرهم من خطرِ استخدام تلك الشبكة الاستخدام السلبي على دين الإسلام القائم على تعظيم الفضيلة، وحفظ الأخلاق والقيم، قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ

وبعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليتمم مكارم الأخلاق

فلا بد من مواجهة هذه التغيرات، وتوعية المستخدمين بأضرار الشبكة العنكبوتية على الدين والأخلاق، وانتشار الفساد والرذيلة والجريمة في المجتمع، ومخالفته للوازع الديني الذي أكسبه الله في قلوب المؤمنين، بل ويقضي على الوازع في النفوس، فترضى بعده بالمنكر وتستسيغُه، ويزولُ أثرُ الصلاة والعبادة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر

أيها المسلمون: إن من الواجب علينا جميعًا: نشر الوعي لدى أبنائنا حول خدمة الشبكة التي فَرضت نفسها على الناس، مع إرشادهم إلى المواقع النافعة والهادفة، ليستفيدوا منها

ويجب على الآباء: توجيه أبنائهم وإرشادهم للاستخدام الصحيح، ومتابعتهم في هذا الشأن؛ لتكون تلك الشبكة معينة لنا لا علينا في تربية الأبناء، ولا بد من تقوية الجانب الإيماني والوازع العقدي المتمثل في الخوف من الله والمراقبة، وتربيةِ الضمير الداخلي، وتوجيههم الوجهة الصالحة، ليَكونوا بعد ذلك لبنةً صالحة في المجتمع داعية إلى الإصلاح مجتنبة جميع ما يهدم دينها وأخلاقها

هدانا الله إلى صراطه القويم، ووقانا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن

هذا وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على نبيكم، كما أمرَكم بذلك ربُّكم - جل وعلا -، فقال عزَّ من قائل إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا الاحزاب:56

وقال - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجَه مُسلمٌ في "صحيحه" - "من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقّّّ إمامَنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصِيته للبرِّ والتقوَى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالِحة التي تدُلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتباع سُنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعَلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين

اللهم ادفَع عنَّا الغلا والوبَا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِل والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهر منها وما بطَن، اللهم أصلِح شبابَ المُسلمين، اللهم ارزُقهم الوسطيَّة والاعتِدال إنك أنت الكبير المُتعَال

اللهم انصُر إخواننا المُستضعفين في كل مكان، اللهم انصُرهم في فلسطين على اليهود الغاصِبين المُحتلِّين، اللهم عليك بالصهايِنة المُعتَدين الذين انتهَكوا حُرمةَ مُقدَّسات المُسلمين، واستفزُّوا مشاعِر المُؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعَهم، واجعَلهم عبرةً للمُعتبرين

اللهم عليك بالرافضة اللهم طهر الأرض من رجسهم.

اللهم وفِّق رِجالَ أمننا المُرابِطين على حُدود وثُغور بلادنا، اللهم وفِّقهم وأعِنهم، اللهم تقبَّل شُهداءَهم، واشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، ورُدَّهم جميعًا إلى أهلِهم سالِمين غانِمين يا رب العالمين

اللهم تقبَّل منا صالحَ الأعمال برحمتِك يا أرحم الراحمين

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِالبقرة:201

سبحان ربِّك ربِّ العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين

والحمدُ لله رب العالمين الصافات:180-182

1436-11-7 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي