الدرس 247 وحدة الصف

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 23 شعبان 1436هـ | عدد الزيارات: 2329 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

جرائم التفجير مرفوضة ومنكرة بجميع المقاييس، فدين الإسلام لا يقر هذا في أي مذهب من مذاهبه، ولا في أي قول من أقوال علماء أو فقهاء جميع المذاهب الإسلامية؛ بل إجماع العلماء على ما دلت عليه الشريعة ودلائل الكتاب والسنة أن هذا الفعل فعل محرم، وفوق الحرمة هو كبيرة وجريمة.

وإننا صف واحد مع ولاة أمورنا في مواجهة كل ما يستهدف هذه البلاد، وصف واحد أيضاً ضد المجرمين الذين يستهدفون أي فرد من أفراد بلاد الحرمين وسنكون له بالمرصاد، وسيلقى عقابه وسيكون المجتمع بعامة يواجهه بجميع أنواع المواجهات، وسيكون المجتمع بعلمائه، ومفكريه وذوي الرأي فيه، والمؤثرين، والمحللين، وأساتذة الجامعات وكل من له تأثير سوف يكون صفاً واحداً لرد الإجرام على أهله، وأخذ الحق لأهله، والدم له أهله كما قال: - جلَّ وعلا - وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا (33) سورة الإسراء، فالذي قُتل مظلوما في الشرع له الحق

إن داعش فيما يظهر لي حركة صنعتها الاستخبارات لأهداف كثيرة ومتنوعة منها

أولاً: تشويه صورة الإسلام، وتشويه صورة الشريعة الإسلامية حتى لا ينتشر الإسلام في العالم، واليوم أصاب العالم ذعر وخوف من الإسلام، وهو ما يسمى في الغرب «الإسلام فوبيا» يعني الخوف من الإسلام، ولم تعد كلمة الخوف من الإسلام مجرد خوف فعلي وإنما بعد أن كان خوفا فعليا صار الآن اسما على المسلمين، وهذا من أهداف إيجاد هذه الحركة أن تشوه الإسلام حتى لا ينتشر، ويكون مثالا سيئا دائماً

ثانياً:من أهداف نشوء هذه الحركة ودعمها من قبل جهات استخباراتية معادية لحقيقة الإسلام - أيضا-: تفتيت بلاد المسلمين, فنجدهم اليوم بدأوا ينتشرون في بعض الدول الإسلامية وفي غيرها من دول أفريقيا، وآسيا, هذه الجماعة تهدف إلى تهيئة تقسيم بلاد المسلمين بأن تكون الدول جاهزة للتقسيم بعد أن تنهك بالحروب والدمار، وكما ترون الآن العراق، وسوريا، وليبيا كيف هو وضعها؛ وهو ما يريدونه للبلدان الأخرى, وكذلك المملكة العربية السعودية لا أستبعد أن يكون هدف هذه الفئات بأفعالها المشينة إثارة الفتن، والقلاقل والانتقامات المتنوعة في المملكة حتى يكون تهيئة للفتن المفضية للخراب والدمار وتهيئ لأمور لن تحصل - بإذن الله تعالى - لأن دولتنا قوية مستمسكة بالكتاب والسنة، والناس ولله الحمد - رعايا هذه الدولة- ومن يعيشون فيها يعون هذه المسألة, فـ«داعش» وسيلة لتهيئة الدول للتفتيت، ولا يبعد عنا أن أفعال داعش تصب في مصلحة أعداء أمتنا الإسلامية

ثالثاً: أن «داعش» فاقت بمبادئها، وأفعالها الخوارج الأولين، فالخوارج الأولون الذين خرجوا في زمن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - الخليفة الراشد الثالث الذي شهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وأجمع المسلمون في وقته على أن يكون خليفة لهم، ظهروا في وقت كل الذي فيه هم خيرة صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم

فالانحرافات العقدية التي تكون في الأمة الكبيرة هي انحرافات في قلوب أصحابها وعقولهم, فهم أتوا بآراء من قبل أنفسهم ولم يستسلموا للدين ثم بحثوا فيه عما يساعدهم لتبرير انحرافهم ولهذا قال الله - جل وعلا - في أول سورة آل عمران هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ (7) سورة آل عمران، فالآية تشخّص لنا حال أهل الأهواء كالخوارج وداعش {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} فالله - جل وعلا - جعل في القرآن آيات واضحات، وآيات متشابهات غير واضحة ليرجع فيها لأهل العلم ليوضحوها بتفسيرها

ذهب الخوارج للمتشابه وفسروه من قبل أنفسهم ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ، تأويله يعني الذهاب في تفسيره إلى غير التفسير الصحيح، فإذاً هي موجودة في النفوس، الفتنة موجودة في نفوسهم قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ، فما جاء ضلالهم بسبب وجود الآيات وإنما لزيغ موجود في أنفسهم ثم ذهبوا يبحثون عما يستدلون به لذلك الزيغ وهو ما حصل في كل الفرق الضالة التي نشأت في التاريخ الإسلامي، فكل فرقة منهم يتبنون آراء في نقاشات ثم يبحثون عما يساعدهم من الأدلة وجاءت السنة بعد القرآن، وكان فيها أيضا ما هو واضح يفهمه كل أحد، وفيها شيء يحتاج إلى بيان وتفسير من أهل العلم، ولكن أهل الأهواء إنما يفسرونه أيضا على ما أرادوا

سئل علي بن ابي طالب - رضي الله عنه وأرضاه - من أين أوتي الخوارج؟، يعني كيف ضلوا وهم بين الصحابة؟ قال: من العجمة أتوا يعني أن عدم معرفتهم باللسان العربي هو الذي جعلهم يؤولون هذه التأويلات، ويذهبون هذه المذاهب، وهذا نراه عبر القرون إلى وقتنا الحاضر

ومما سبق يتضح لنا أن من قتل عليا - رضي الله عنه - يتقرب إلى الله بقتله وهو عبدالرحمن بن ملجم، ومن قتل عثمان بن عفان يتقرب إلى الله بقتله وهذه فتنة عظيمة كبيرة لله حكمة في وجودها، ولكن يجب مواجهتهم وقتلهم كما جاء في الحديث: (أين ما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم لمن قتلهم أجراً عند الله)، هؤلاء ما كان عندهم إلا القرآن وبعض ما سمعوه من الأحاديث، ثم صار لديهم استدلال أيضا بالسنة، ثم استدلوا بأقوال بعد أن دونت الكتب، فكما أن في القرآن محكما ومتشابها، وفي السنة محكم واضح ومتشابه، فكذلك كلام العلماء وكتبهم إذا قرأها الصغار الذين فهموا الواضح الذي يشترك الناس في فهمه، وفسروا الآخر على حسب أهوائهم، وزيغهم

إن نسبة «داعش»، و»القاعدة» وما يسمى بالجماعات الجهادية إلى السلفية أو إلى منهج السلف نسبة باطلة وعلماء السلف لا يقرون لهم بذلك لأنهم وإن تسموا بذلك لكن لم يراعوا حقيقة منهج السلف - رضوان الله عليهم - ولم يأخذوا به كافة وإنما أخذوا شيئاً وتركوا أشياء آمنوا ببعض وتركوا بعضا

ثالثاً: من أهداف داعش استغلال الكراهية الموجودة عند السنة والرافضة لتنفيذ ما يريدون، ويستغلونه لكسب القضية التي تحقق أهدافهم، ويتعاطف معهم الشباب والصغار والذين عندهم رغبة في الانتصار للسنة فمثلا الذي حصل في العراق، وفي سوريا على أهل السنة من الويلات والذبح والقتل والاستهداف والتهجير إلى آخره يستغله هؤلاء فيظهرون صورا، ويظهرون أنفسهم المدافعين الوحيدين عن أهل السنة لإيهام الراغبين في الانتقام أن هذا لا يتحقق إلا بالانضمام إليهم, وإنما أرادوا حقيقة كسب الشباب لتحقيق مخططاتهم، فزرع الكراهية في النفوس بإجمال، وإطلاق وتهييج المجتمعات، وتهييج الشباب في أمور عامة أن هذا من أعظم الأحقاد، ثم بعد ذلك تكون أرضية للفتن

لذا يجب مراعاة الآتي

أولاً: تقوى الله - جل وعلا - لأن الذي يراقب الله - جل وعلا - لا يمكن أن يتعدى على عرض:(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)، تقوى الله هذه أعظم ضمانة للأمن

ثانياً: الإقرار برعاية الدولة، لأن الدولة: ولي الامر ومن يعاونه، من المسؤولين إذا ما نوزعوا في ما يختصون به فرط الأمن، وأصبح كل واحد يجتهد بما يريد ويفعل ما يريد ويعارض ما يريد وصارت حالة البلاد حالة غاب لا أحد يطيع أحدا، فلذلك فإن وجود الدولة لاستقرار الناس ولأمنهم، ولذا كانت العلاقة الإيجابية بالدولة والمبنية على السمع والطاعة ضمانة للأمن, في كل نماذج الدولة في الدنيا قبل الإسلام وبعده، ولما جاءت الشريعة الإسلامية عظمت ذلك بنظام البيعة: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية

إن نظام البيعة يعطي استقرارا لا يعطيه نظام آخر، فنظام البيعة هو تشريع البيعة، وتنظيم البيعة أمر شرعي كبير جاء في الإسلام وهو يعطي هيبة، وصدقا وولاء للدولة، ولأن البيعة ليس عقدا بين الحاكم والمحكوم فقط، بل هي بالإضافة إلى ذلك عقد مع الله يقول الله - جل وعلا - إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ (10) سورة الفتح

إن نظام الدولة في الإسلام والقائم على نظام البيعة يعطي قوة أمنية كبيرة وارتباطا بالدولة لأنها مسؤولة عن الأمن، وكلنا صفاً واحد في رعاية مصالحنا جميعا والذي يخرج عن هذه البيعة هو خارج عن الشرع, وهي التي بعد الله جعلت الناس جميعا متآلفين متحابين وكل يصل إلى الآخر ومع مضي السنين أصبح الوطن كما تشاهدون وطنا واحدا محبا بعضه لبعض

ومن أركان حفظ الأمن هو النظام والتشريع لأن الخوف من الغلط هو الذي يعطي الأمن حتى لو لم يكن عندك أحد، فأي نظام من أنظمة الدولة إنما شرع لمصلحة الناس ولحفظ أمنهم ومن خالفه، فهو يسبب بمخالفته مخالفة للداعي الأمني كله لأن الناس إذا تتابعوا على مخالفة النظام اختل الأمن، ولذلك فإن المجتمع إذا كان يريد الأمن فهو يحققه، بتطبيق قواعد الدولة ونظامها الذي وضع لمصالحهم

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1436/8/23 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 5 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي