الدرس الأول حديث: إنمال الأعمال بالنيات

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 20 ربيع الثاني 1436هـ | عدد الزيارات: 2477 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ترجمة الإمام النووي:

هو الإمام الحافظ الفقيه المحدّث يحيى بن شرف الدين بن مرّي بن حسن الجزامي الحوراني النووي الشافعي ، أبو زكريا ، محيي الدين ومحيي الدين هو لقب الإمام النووي وكان يكره أن يلقب به تواضعاً لله تعالى ، ولأن الدين حي ثابت دائم غير محتاج الى من يحييه حتى يكون حجة قائمة على من أهمله أو نبذه، قال اللحمي: وصح عنه أنه قال: لا أجعل في حلّ من لقبني محيي الدين.

مولده ونشأته:

ولد في نوى في العشر الأوسط من شهر الله المحرم سنة 631 هـ ، وترعرع فيها وأخذ يتردد على أهل الفضل يستشيرهم في أموره تاركاً اللهو واللعب، وحفظ القرآن وقد ناهز الاحتلام، وفي السنة التاسعة عشرة من عمره قدم به والده الى دمشق لطلب العلم فأقام في المدرسة الرواحية قرب جامع الاموي بدمشق وذلك سنة 649 هـ ، فحفظ " التنبيه " في أربعة أشهر ونصف وقرأ المهذب للشيرازي في باقي السنة على شيخه الكمال إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي المقدسي، وهو أول شيوخه في الفقه وكان يقرأ كل يوم إثني عشر درساً على مشايخه، وقد خطر على باله الاشتغال بالطب ، وهمّ به ، غير أن الله صرفه عنه تولى التدريس بدار الحديث بالأشرفية بدمشق عام 665 هـ ، وأقام فيها غير أنه امتنع عن أخذ أي شيء من معلومها الوافر حتى توفي رحمه الله

وفي سنة 651 هـ حجّ مع أبيه وقد مرض في طريقه وأصابته حمّى من حين توجه من بلده نوى ولم تفارقه حتى يوم عرفة وهو صابر محتسب ، ثم قفل عائداً الى دمشق.

أخلاقه وصفاته:

كان رحمه الله عالماً زاهداً تقياً ورعاً، لا يصرف ساعة في غير طاعة الله، كثير السهر في العبادة والتصنيف ، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، يواجه الملوك فمن دونهم
هكذا كانت اخلاقه وصفاته وقد ألقى الله محبته في قلوب الناس وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده الصالحين.

تصانيفه:

للإمام النووي رحمه الله تصانيف كثيرة نذكر بعضاً ، منها على سبيل المثال لا الحصر: شرح صحيح مسلم، الإرشاد، التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير، تهذيب الاسماء واللغات، التبيان في آداب حملة القرآن، منهاج الطالبين، بستان العارفين، خلاصة الاحكام في مهمات السنن و قواعد الاسلام، روضة الطالبين وعمدة المفتين، وهو من أكبر المراجع في فروع مذهب الامام الشافعي رحمه الله، شرح المهذب، رياض الصالحين، حلية الأبرار وشعار الأخبار في تلخيص الدعوات والأفكار.

وفاته:

توفي ليلة الاربعاء في 24 رجب سنة 676 هـ وعمره 47 سنة في بلده نوى ودفن فيها وكان لنبأ وفاته وقع اليم على دمشق وأهلها وقد رثاه جماعة بأكثر من ستمائة بيت رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته وأثابه على ما قدم للإسلام وأهله إنه سميع مجيب

الحديث الأول:
عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ تعالى عنْهُ قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوله، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا، أَو امْرأَة يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ."

هذا الحديث صحيح متفق على صحته وعظيم موقعه وجلالته وكثرة فوائده وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام قال الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله: يدخل في حديث الأعمال بالنيات ثلث العلم. قاله البيهقي وغيره

سبب ذلك أن كسب العبد يكون بقلبه ولسانه وجوارحه، والنية أحد الأقسام الثلاثة. وروى الشافعي رحمه الله أنه قال: يدخل هذا الحديث في سبعين باباً من الفقه. وقال جماعة من العلماء هذا الحديث ثلث الإسلام، قال أبو داوود: نظرت في الحديث المسند فإذا هو أربعة آلاف حديث ثم نظرت فإذا مدار أربعة آلاف حديث على أربعة أحاديث النعمان بن بشير الحلال بين والحرام بين وحديث عمر هذا وحديث أبي هريرة إن الله طيب وحديث أبي هريرة أيضاً من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه قال فكل حديث من هذه الأربعة ربع العلم.

واستحب العلماء أن تستفتح المصنفات بهذا الحديث ومن من ابتدأ به في أوله الإمام أبو عبد الله البخاري في كتابه صحيح البخاري وقال عبد الرحمن بن مهدي ينبغي لكل من صنف كتاباً أن يبتدئ فيه بهذا الحديث تنبيهاً للطالب على تصحيح النية

لغة الحديث:

(الحفص): الأسد ، وأبو حفص: كنية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(إنما): أداة حصر تثبت المذكور بعدها وتنفي ما عداه.

(بالنيات:) جمع نية ، وهي في اللغة: القصد. وفي الاصطلاح: القصد المقترن بالفعل.

(امرئ): إنسان، رجلا كان او امرأة.

(هجرته): الهجرة لغة: الترك، وشرعا: مفارقة دار الكفر الى دار الاسلام خوف الفتنة، والمراد بها في الحديث: الانتقال من مكة وغيرها الى المدينة قبل فتح مكة

(إلى الله): إلى محل رضاه نية وقصدا

(فهجرته إلى الله ورسوله): قبولاً وجزاء

(لدنيا يصيبها): لغرض دنيوي يريد تحصيله

تمييز العادات من العبادات مثاله:

أولاً: الرجل يأكل الطعام شهوة فقط، والرجل الآخر يأكل الطعام امتثالاً لأمر الله عزّ وجل في قوله "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا"(الأعراف 32)، أكل الثاني عبادة، وأكل الأول عادة أكل الثاني عبادة لما ينو بذلك أن يتقوى على طاعة الله حين أكله السحور أو أكله الفطور ليتقوى على العبادة سواء كان للصيام أو لقيام الليل أو العبادات النهارية عموماً
ثانياً: الرجل يغتسل بالماء تبرداً، والثاني يغتسل بالماء من الجنابة، فالأول عادة، والثاني عبادة، ولهذا لو كان على الإنسان جنابة ثم انغمس في البحر للتبرد ثم صلى فلا يجزئه ذلك، لأنه لابد من النية، وهو لم ينو التعبّد وإنما نوى التبرّد، وكذا من اغتسل صباح يوم الجمعة بنية النظافة لا يثاب لكن إذا نوي فضل الاغتسال يوم الجمعة يثاب وكذا من مارس الرياضة ليقوي جسمه على طاعة الله يثاب وكذا من جلس في المسجد بنية العبادة يثاب لا من جلس للحديث مع شخص آخر أو ينتظر شخص آخر لا يثاب وكذا من جلس يستمع الدرس للفائدة يثاب لا من جلس من أجل أن ينتقد أو ينقل ماذا قال عين عليه لا يثاب بل ربما يأثم إذا كان ينوي الإساءة له، ولهذا قال بعض أهل العلم: عبادات أهل الغفلة عادات، وعادات أهل اليقظة عبادات.

عبادات أهل الغفلة عادات مثاله: من يقوم ويتوضأ ويصلي ويذهب على العادة.

وعادات أهل اليقظة عبادات مثاله: من يأكل امتثالاً لأمر الله، يريد إبقاء نفسه، ويريد التكفف عن الناس، فيكون ذلك عبادة، ورجل آخر لبس ثوباً جديداً يريد أن يترفّع بثيابه، فهذا لا يؤجر، وآخر لبس ثوباً جديداً يريد أن يعرف الناس قدر نعمة الله عليه وأنه غني، فهذا يؤجر، "وأما بنعمة ربك فحدث" ورجل آخر لبس يوم الجمعة أحسن ثيابه لأنه يوم جمعة هذه عادة، والثاني لبس أحسن ثيابه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهذه عبادة ورجل زار شخص يحبه في الله يؤجر وآخر زار شخصاً للتسلية عادة لا يؤجر ورجل زار مريضاً يريد الآجر وآخر زاره خوفاً أن يقال لم يزره لا يؤجر.

من فوائد هذا الحديث:

أولاً: يجب تمييز العبادات بعضها عن بعض، والعبادات عن المعاملات.

ثانياً: الحثّ على الإخلاص لله، عزّ وجل.

ثالثا: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بتنويع الكلام وتقسيمه لأنه قال: إنما الأعمال بالنيات.

رابعاً: قرن الرسول صلى الله عليه وسلم مع الله تعالى بالواو حيث قال: إلى الله ورسوله في الأمور المشروعة "مَنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ" (النساء 80)، أما الأمور الكونية: فلا يجوز، فإذا قال قائلٌ: هل ينزل المطر غداً ؟ قال: الله ورسوله أعلم، فهذا خطأ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده علم بهذا، أما في الحلال والحرام فيجوز.

أيهما أفضل العلم أم الجهاد في سبيل الله ؟
الجواب: العلم من حيث هو علم أفضل من الجهاد في سبيل الله، لأن الناس كلهم محتاجون إلى العلم، وقد قال الإمام أحمد: العلم لا يعدله شيئ لمن صحّت نيّته ولا يمكن أبداً أن يكون فرض عين لقول الله تعالى:" وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً" (التوبة 122)

هل الهجرة واجبة أم مستحبة ؟

الجواب: فيه تفصيل، إذا كان الإنسان يستطيع أن يظهر دينه وأن يعلنه ولا يجد من يمنعه من ذلك، فالهجرة هنا مستحبة، وإن كان لايستطيع فالهجرة واجبة وهذا في البلاد الكافرة، أما في البلاد الفاسقة وهي التي تعلن الفسق وتظهره فإن كان يخاف على نفسه من أن ينزلق فيما انزلق فيه أهل البلد فهنا الهجرة واجبة، وإلا فلا تكون وإن كان في بقائه إصلاح، فبقاؤه واجب لحاجة البلد إليه في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1436-4-20 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر