تفسير سورة البينة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 19 ربيع الثاني 1436هـ | عدد الزيارات: 2235 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

سورة البينة مدنية وآياتها 8

بسم الله الرحمن الرحيم

لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ

يقول تعالى: " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " أي: من اليهود والنصارى "وَالْمُشْرِكِينَ" من سائر أصناف الأمم
مُنْفَكِّينَ عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي: لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين إلا كفرًا، "حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ" الواضحة، والبرهان الساطع

ثم فسر تلك البينة فقال: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ أي: أرسله الله، يدعو الناس إلى الحق، وأنزل عليه كتابًا يتلوه، ليعلم الناس الحكمة ويزكيهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور "يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً" أي: محفوظة عن قربان الشياطين، لا يمسها إلا المطهرون، لأنها في أعلى ما يكون من الكلام .

فِيهَا أي: في تلك الصحف كُتُبٌ قَيِّمَةٌ أي: أخبار صادقة، وأوامر عادلة تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، فإذا جاءتهم هذه البينة، فحينئذ يتبين طالب الحق ممن ليس له مقصد في طلبه، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة .

وإذا لم يؤمن أهل الكتاب بهذا الرسول وينقادوا له، فليس ذلك ببدع من ضلالهم وعنادهم، فإنهم ما تفرقوا واختلفوا وصاروا أحزابًا "إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ" التي توجب لأهلها الاجتماع والاتفاق، ولكنهم لرداءتهم ونذالتهم، لم يزدهم الهدى إلا ضلالًا، ولا البصيرة إلا عمى، مع أن الكتب كلها جاءت بأصل واحد، ودين واحد .

فما أمروا في سائر الشرائع إلا أن "يعبدوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" أي: قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وجه الله، وطلب الزلفى لديه، "حُنَفَاءَ" أي: معرضين مائلين عن سائر الأديان المخالفة لدين التوحيد وخص الصلاة والزكاة بالذكر مع أنهما داخلان في قوله "لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ" لفضلهما وشرفهما، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين ، "وَذَلِكَ" أي التوحيد والإخلاص في الدين، هو "دِينُ الْقَيِّمَةِ" أي: الدين المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم .

ثم ذكر جزاء الكافرين بعدما جاءتهم البينة، فقال: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ" قد أحاط بهم عذابها، واشتد عليهم عقابها، "خَالِدِينَ فِيهَا" لا يفتر عنهم العذاب، وهم فيها مبلسون، "أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ" لأنهم عرفوا الحق وتركوه، وخسروا الدنيا والآخرة، "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ" لأنهم عبدوا الله وعرفوه، وفازوا بنعيم الدنيا والآخرة، "جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ" أي: جنات إقامة، لا ظعن فيها ولا رحيل، ولا طلب لغاية فوقها ، "تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ" ، "خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا"، الخلود في هذا النعيم هو تمام النعيم، "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"، يعتبر هذا الإخبار من حيث رضوان الله تعالى على العباد في الجنة من باب العام بعد الخاص فرضي عنهم بما قاموا به من ما يرضيه، ورضوا عنه، بما أعد لهم من أنواع الكرامات وجزيل المثوبات "ذَلِكَ" الجزاء الحسن "لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ" أي: لمن خاف الله، فأحجم عن معاصيه، وقام بواجباته، فالعبد حقاً في حاجة إلى أن يعمل على رضوان الله تعالى عليه لأنه غاية أمانيه ، أما الإخبار عن رضا العبد عن الله فيكون الإخبار عن ذلك بلازم الفائدة وهي أنهم في غاية من السعادة والرضا فيما هم فيه من النعيم إلى الحد الذي رضوا وتجاوز رضاهم حد النعيم إلى الرضا عن المنعم، وفي هذه الآية السر الأعظم وهو كون الخشية في السر أعلى مراتب المراقبة لله والخشية أشد الخوف .

اللهم اجعلنا ممَّن يخشون الله في السر والعلن وممَّن رضي الله عنهم ورضوا عنه

تم تفسير سورة البينة ولله الحمد والمنة.

19 - 4 - 1436هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر