تفسير سورة التكاثر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

سورة التكاثر مكية وآياتها 8

بسم الله الرحمن الرحيم

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ

قوله:أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ هذه جملة خبرية ، يخبر الله عز وجل بها العباد مخاطبا لهم بقوله :أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ، ومعنى (ألهاكم ) أي شغلكم حتى لهوتم عمَّا هو أهم من ذكر الله تعالى ، والقيام بطاعته ، والخطاب هنا لجميع الأمة ، فالتكاثر ، يشمل التكاثر بالمال ، وبالقبيلة ، وبكل ما يمكن أن يقع فيه التفاخر، ويدل ذلك قول صاحب الجنة لصاحبه " أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا " (الكهف 34) ، فالإنسان قد يتكاثر بماله فيطلب أن يكون أكثر من الآخر مالا وأوسع تجارة ، وقد يتكاثر الإنسان بقبيلته ، يقول : نحن أكثر منهم عددا حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، أي واستمر اشتغالكم بذلك إلى أن صرتم إلى المقابر ودفنتم بها ، والبرزخ دار ، المقصود منها النفوذ إلى الدار الأخرة ؛ لأن الله سماهم زائرين ولم يسمهم مقيمين فهم مثلُ مسافر من بلد إلى بلد وتوقف على الطريق وتزوَّد بالوقود فدل ذلك على البعث والجزاء على الأعمال في دار باقية غيرِ فانية .ثم يقرع قلوبهم بهول ما ينتظرهم هناك بعد زيارة المقابر في إيقاع رزين كلا سوف تعلمون ويكرر هذا الإيقاع بألفاظه وجرسه الرهيب الرصين ثم كلا سوف تعلمون ثم يزيد التوكيد عمقاً ورهبة وتلويحاً بما وراءه من أمر ثقيل لا يتبينون حقيقته الهائلة في غمرة الاستكثار كلا لو تعلمون علم اليقين ، ثم يكشف عن هذه الحقيقة المطوية الرهيبة لتروُنّ الجحيم: أي لترون القيامة فلترون الجحيم ثم يؤكد هذه الحقيقة ويعمق وقعها الرهيب في القلوب

ثم لتروّنها عين اليقين: أي رؤية بصرية . ثم يلقي بالإيقاع الأخير، الذي يدع الغافل يتنبه، والسادر يتلفت، والناعم يرتعش ويرتجف مما في يديه من نعيم
ثم لتسألن يومئذ عن النعيم: الذي تنعمتم به في دار الدنيا هل قمتم بشكره وأديتم حق الله فيه ولم تستعينوا به على معاصيه فينعمكم نعيماً أعلى منه وأفضل أم اغتررتم به ولم تقوموا بشكره بل ربما استمتعم به في المعاصي فيعاقبكم على ذلك.
لتسألنَّ عنه من أين نلتموه؟ وفيم أنفقتموه؟ أمن طاعة وفي طاعة ؟ أم من معصية وفي معصية؟ أمن حلال وفي حلال؟ أم من حرام وفي حرام؟ هل شكرتم؟ هل أديتم؟ هل استأثرتم؟
لتسألنَّ عما تتكاثرون به وتتفاخرون فهو عبء تستخفونه في غمرتكم ولهوكم ولكن وراءه ما وراءه من هم ثقيل .
إنها سورة تعبر بذاتها عن ذاتها وتلقي في الحس ما تلقي بمعناها وإيقاعها وتدع القلب مثقلاً مشغولاً بهمِّ الآخرة عن سفاسف الحياة الدنيا وصغائر اهتماماتها التي يهش لها الفارغون .إنها تصور الحياة الدنيا كالومضة الخاطفة في الشريط الطويل ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر وتنتهي ومضة الحياة وتنطوي صفحتها الصغيرة ثم يمتد الزمن بعد ذلك وتمتد الأثقال؛ ويقوم الأداء التعبيري ذاته بهذا الإيحاء فتتسق الحقيقة مع النسق التعبيري الفريد
وما يقرأ الإنسان هذه السورة الجليلة الرهيبة العميقة، بإيقاعاتها الصاعدة الذاهبة في الفضاء إلى بعيد في مطلعها، الرصينة الذاهبة إلى القرار العميق في نهايتها حتى يشعر بثقل ما على عاتقه من أعقاب هذه الحياة الوامضة التي يحياها على الأرض، ثم يحمل ما يحمل منها ويمضي به مثقلاً في الطريق .ثم ينشئ يحاسب نفسه على الصغير والزهيد إن كان تاجراً تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" يا مَعْشَرَ الفقراءِ ! أَلَا أُبَشِّرُكم ؟ إنَّ فقراءَ المؤمنينَ يَدْخُلُونَ الجنةَ قبلَ أغنيائِهم بنِصْفِ يومٍ: خَمْسِمَائةِ عامٍ " صححه الألباني ، والجميع يتذكرون أنهم سيحاسبون على أموالهم كثرت أم قلَّتْ سيسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ ؟ وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ ". صححه الألباني .

فحاسب نفسك قبل أن تحاسب هل اكتسبت مالك من حلال أم من حرام، هل أنفقته في الحلال أم في الحرام هل أديت حقوقه هل قابلت نعمة المال بالشكر أم بالكفر

تم تفسير سورة التكاثر ولله الحمد والمنة .

9 - 3 - 1436هـ