الدرس 186: باب لا يستشفع بالله على خلقه

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 5 شعبان 1435هـ | عدد الزيارات: 4628 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قول المصنف : "باب لا يستشفع بالله على خلقه"

ذكر المؤلف هذا الباب ؛ لأنه من كمال التوحيد ، ولأن هذا من وسائل الشرك، وهو الاستشفاع بالله على خلقه، فشأن الله أعظم من ذلك ، لكن يستشفع بالمخلوق الحي على المخلوق ، فيقال يا فلان: أنا أستشفع بفلان عليك ، فهذا لا بأس به . والاستشفاع : طلب الشفاعة ، والشفاعة هي الوساطة في قضاء الحوائج عند من هي بيده ، وهي بحسب المشفوع فيه ، فإن كان المشفوع فيه خيرا فالشفاعة حسنة وفيها أجر قال الله تعالى :"مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ۖ" (النساء 85)، وقال صلى الله عليه وسلم :"اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، "صحيح البخاري. أما إن كانت الشفاعة في أمر محرم فهي محرمة كما قال الله تعالى:" وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ۗ"(النساء 85)، كالذي يشفع في إسقاط حد من حدود الله، كحد الزنا.

قوله المصنف :"عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال :"جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله نهكت الأنفس، وجاع العيال فاستسق لنا ربك; فإنا نستشفع بالله عليك، وبك على الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله سبحان الله فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ويحك أتدري ما الله إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه) وذكر الحديث رواه أبو داود

جاء الحديث في صحيح أبي داود للألباني بهذا اللفظ"عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيٌّ فقال يا رسول الله: جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك أتدري ما تقول وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه ..."

قوله :"عن جبير"هو: جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي، يكنى أبا محمد، ، أمه أم حبيب بنت العاص بن أمية بن عبد شمس.

كان من حلماء قريش وسادتهم، وكان يؤخذ عنه النسب لقريش وللعرب قاطبة، وكان يقول: أخذت النسب عن أبي بكر الصديق ، وجاء إلى النبي فكلمه في أسارى بدر، فقال : " لو كانَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلَاءِ النَّتْنَى؛ لَتَرَكْتُهُمْ له. "(صحيح البخاري). وكان لأبيه المطعم بن عدي عند رسول الله يد، وهو أنه كان أجار رسول الله لما قدم من الطائف، حين دعا ثقيفاً إلى الإسلام، وكان أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني المطلب، روى عنه سليمان بن صرد وعبد الرحمن بن أزهر، وابناه: نافع ومحمد ابنا جبير.

قوله :"أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيٌّ " الأعرابي هو ساكن البادية.

قوله:"جهدت الأنفس " أي ضعفت.

قوله :"وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام"، وذلك بسبب تأخر المطر؛ لأن عيشة البادية على ما ينزله الله من الأمطار.

قوله :"فاستسق الله لنا "وهذه عادة الصحابة إذا تأخر المطر طلبوا من النبي صلى الله عليه وسم أن يستسقي لهم.

قوله:" فإنا نستشفع بك على الله " هذا لا إنكار فيه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لا بعد موته ، ومعناه طلب الدعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بالسقيا.

قوله"ونستشفع بالله عليك"هذه هي الكلمة المنكرة ؛ لأنه جعل الله شافعا عند الرسول صلى الله عليه وسلم، والشافع أقل درجة من المشفوع عنده ، وهذا لا يليق بالله ؛ لأن الله فوق الجميع .

قوله صلى الله عليه وسلم:" ويحك أتدري ما تقول كلمة (ويح) يراد بها العتاب. قوله :"أتدري ما تقول" ، هذا استنكار من النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيان لجهل هذا الأعرابي في حق الله؛ إذْ شأن الله أعظم من ذلك.

قوله:" وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه " قال النبي صلى الله عليه وسلم : سبحان الله وكررها. وهذا يقوله صلى الله عليه وسلم في الأمور العظيمة.المحبوب منها والمكروه، في الأشياء التي تعظم أو يتعجب منها أو ينكرها.

قوله :" ويحك إنَّه لا يُستشفعُ بالله على أحدٍ من خلقهِ " لما أنكر صلى الله عليه وسلم ذلك ، ونزَّه ربَّه علم هذا السائل ما يجب عليه من تعظيم الله.

قول المصنف :" فيه مسائل:"

"الأولى: إنكاره على من قال :" نستشفع بالله عليك، تؤخذ من قوله: "ويحك أتدري ما تقول" ، وقوله:"إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه"

"الثانية :تغيره تغيرًا عُرف في وجوه أصحابه من هذه الكلمة "، تؤخذ من قوله:"فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه "

"الثالثة:أنه لم ينكر عليه قوله:"نستشفع بك على الله " ، لأنه سكت عن هذا القول. وهذا يدل على جواز ذلك.

"الرابعة : التنبيه على تفسير: (سبحان الله) "؛ وهذا دليل على أنه منزه عمَّا ينافي تلك العظمة.

الخامسة: أن المسلمين يسألونه صلى الله عليه وسلم ، الاستسقاء ، وهذا في حال حياته.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

1435/8/5 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر