الدرس 326 الحياء

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 1 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1326 القسم: الفوائد الكتابية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

الإسلام دين السعادة والطمأنينة والأخلاق العالية التي طالما تعطشت الدنيا لها إنه دين الأخلاق الحسنة التي دعا إليها المرسلون جميعاً فمن هذه الأخلاق خلق الحياء فهو شعبة عظيمة من شعب الإيمان فإن النفس إذا تجردت من الحياء فقد تعرت عن كل فضيلة ومرؤة فإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" هكذا قال أنبياء الله جميعاً وقد ورثه الناس عنهم وتناقلوه فيما بينهم قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل قولاً مؤثراً وحكمة صادقة

والحياء انقباض النفس عن القبائح واشمئزازها عن فعل ما يعاب أو يذم وهو دليل صادق على حياة الضمير وصدق الحس ومن جعل الحياء خلقه منعه وحماه من ارتكاب السوء ومخالطة الدنايا لأن اشمئزاز النفس عن القبائح يستلزم تركها والانصراف عنها وهو بهذا المعنى من أفضل صفات النفس وأجلها قدراً ومن رزق خلق الحياء فقد أعطي الخير كله يقول صلى الله عليه وسلم "الحياء خير كله" أخرجه مسلم، ويقول أيضاً "الحياء لا يأتي إلا بخير" أخرجه البخاري، ومن أكتمل في نفسه هذا الخلق السامي فقد أتم الله عليه نعمته وأكمل له دينه

فالحياء من أبرز ما يتميز به الإسلام من الصفات الفاضلة يقول صلى الله عليه وسلم "إن لكل دينا خلقا وخلق الإسلام الحياء" ، والحياء خلق أصيل من أخلاق رسولنا الكريم يقول أبو سعيد الخدري إن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه كان أشد حياءً من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه إن الحياء هو الحصن المنيع الذي يحمي الأمة أن تنهار مقوماتها ويتصدع بنيانها وينهد.

فهذه فتاة يلوح لها بريق المدنية الخلاب فترى ذلك في الثياب الرقاق والمشية الخليعة والزينة الفاتنة والاختلاط الفاجر لكنها تجد في ذلك ثلماً لشرفها وانتقاصاً لكرامتها فتستحي أن تكون كذلك فتعيش عفيفة مصونة وهذا رجل أمين على مال الدولة قيم على شؤنها يستحي أن يخون الأمة أو يفرط فيما هو مسئول عنه فيؤدي واجبه حفيظاً عليه وفي المجال الدولي إذا أبرمت الدولة معاهدة أو أعلنت مبادئ وشعارات فإنها إذا استحت أن تنقض عهدها أو تتاجر في شعاراتها عاشت في سلام مع غيرها وبذلك يختفي شبح الحروب فيعيش العالم في أمان وأمن لا كما هو الحال عليه الآن في أرجاء الدنيا كلها إلا من عصم ربي، أرأيتم إذا كيف أن الحياء خير كله وأنه لا يأتي إلا بخير والناس تختلف أنصبتهم من الحياء فتتفاوت تبعاً لذلك منازلهم عند الله فمنهم من يستحي من الله ولا يحب أن يراه حيث نهاه وحذره كما يتحرج أن يعيش بين الناس معيباً وهذا هو الحياء في أكمل منازله أما من ترك القبيح حياء من الناس بحيث لو لم يطلع عليه أحد لفعله فهو ذو حياء ناقص ولكنه يحمل في نفسه بقية من خير يرجى أن يرده يوماً إلى صفوف المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم فما دام لا يفعل القبيح بين الناس فإنه يسهل تذكيره بعظمة ربه وجلاله حتى يعلم أن الله أحق أن يخشاه وأما الذي لا يرجوا لله وقاراً ولا يعمل للناس حساباً فقد خلع ربقة الحياء وربقة الدين فهو والعياذ بالله من الهالكين ومن هنا كان فقدان الحياء كارثة خلقيه فادحة وأن المرء حين يفقد حياءه يفقد كل شيء وفي اللحظة التي يتخلى فيها الإنسان عن هذا الخلق الرفيع ينحدر من قمة الكمال الإنساني إلى مهابط الرذيلة فهو لا يزال يهوي من قبيح إلى أقبح ومن رذيلة إلى أرذل حتى يستقر في الدرك الأسفل في المهانة والضياع

ورب قبيحة ما حال بيني*** وبين ركوبها إلا الحياء

إذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً***تقلب في الأمور كما يشاء

ومن هنا ندرك سر قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن تجرد عن الحياء "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت " فليس المراد أن يأمره حقيقة بأن يفعل ما يريد ولكنه أمر بمعنى التهديد والوعيد وينطوى على الذم والنهي الشديد وهو كقوله تعالى "اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (فصلت 40) والمعنى أن المرء إذا لم يستحي صنع ما شاء فإن المانع له من فعل القبائح هو الحياء وقد زال ومن زال حياؤه تردى في كل فحشاء وانغمس في كل منكر

اللهم اجعلنا ممن يستحون من الله حق الحياء

وبالله التوفيق

1435/5/1 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 8 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي