ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 328 الانفصال بين الواقع والمثل

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 1 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1439 القسم: الفوائد الكتابية

أحمد الله وأشكره وأصلي وأسلم على الهادي البشير والسراج المنير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد

شهدت البشرية أيها القارئ الكريم في تاريخها الطويل انفصالاً بين المثل والواقع بين المقال والفعال بين الصورة والحقيقة وكانت الأقوال دائماً أكثر من الفعال وكانت الأماني أكبر من والواقع، وهذا أمر يشهده الإنسان في كل عصر وكل حين وفي كل أمة من الناس على وجه هذه الأرض، إننا نسمع في عصرنا هذا على سبيل المثال الدعوة إلى الرحمة من دول النصارى الكافرة بل وحتى الرحمة بالحيوان حتى إنه أصبح هناك من إذا أتاه الموت أوصى بما له وتركته للقيام على خدمة الكلاب والقطط وما شاكل هذا رحمة بهذه الحيوانات المسكينة، وما هذه الدعوى إلا نوع من المكر والكذب والتغطية على العيون إنهم يرحمون الحيوانات ولكنهم لا يرحمون من خلقت لأجله الحيوانات، إنهم ابادوا الشعب المسلم في البوسنة والهرسك ويبيدون أهل سوريا في الشام وإذا قتل كافر أقاموا الدنيا وهددوا وتوعدوا، تلك فعال من يرحمون الحيوانات! فأين الرحمة المدعاة، وفي بلاد الإلحاد ذلك المجتمع الذي زعم أتباعه أنه منشأ على العدل والمساواة وإعطاء كل واحد ما يستحقه من أجر بمقابل ما يجب عليه أن يعمله من عمل ما هو الواقع في ذلك المجتمع ؟

إن الواقع ينادي بأن الرؤساء والحكام وزعماء الحزب الحاكم يعيشون على دماء الضعفاء والمساكين الذين يستعبدون ويستذلون في المزارع والحقول ولا يحسون للحياة طعماً ولا للعيشة مذاقاً إنهم في ظنك دائماً عبيد للطبقات التي يحصلون بها على لقمة العيش.

تلك هي الشيوعية الملحدة المنهارة التي أسسها كارل ماركس الشيوعي الذي هو من أصل يهودي والتي مبدأها لا إله والحياة مادة والتي كان ينادى ماركس بقوله اشغلو العالم عن الله بالكرة والمسرح.

هذه هي الشيوعية التي سقطت تنادي بالعدالة وهي تبيد الشعب المسلم المجاهد في الشيشان أظنه واضح أمامكم أيها الإخوة من المثالين السابقين أن الناس يقولون ما لا يفعلون وهذه صفة عامة في كل شعب وأمة إلا إذا كانت تلك الأمة وذلك الشعب من اتباع الأنبياء وبمقدار ما يكون تمسك تلك الأمة بهدي نبيها يكون التوافق بين ما تقول وتفعل

ونحن اليوم مع الصورة الحية والمثال الواقع للتطبيق الحي لوحي الله ومنهجه نحن اليوم مع رسول الله نلمس ذلك الإنسان ونرى ذلك الانسجام بين وحي الله وفعل النبي صلى الله عليه وسلم نحن نرى هذا لأننا مكلفون بأن نقتدي به صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" ونحن نرى هذا لنقيس أنفسنا ليعرف كل واحد منا نفسه ما هي مقدار الفجوة بين ما يقول أو بين ما نزل الله من الهدى وبين واقع حياته وأمر آخر أحب أن أنبه إليه مسبقاً وذلك الأمر هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأوامر متعددة في مجالات كثيرة فقام بكل تلك الأوامر خير قيام فلم يطغ جانب على جانب ولم يهتم بناحية على حساب ناحية أخرى كما نراه عند بعض الناس إذ نراهم مقبلين على تنفيذ أمر الله في العبادة مثلاً مفرطين ببقية أوامر الله وتكاليفه أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقوم بكل أمر بما لم يسبق إليه مع إحاطته وعدم تفريطه بأي جانب من جوانب الإسلام الكبيرة المكلف بها حتى إن الدارس المنصف لحياته لا يملك إلا أن يشهد أنه نبي من عند الله.

لقد قال الله تعالى "بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ "(الزمر66) فماذا كان تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر الإلهي ها هي عائشة رضي الله عنها تبين لنا ما نريد فقد أخرج الشيخان عنها أنها قالت "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل "أي مصلياً لله، حتى تتفطر قدماه فقلت له لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبداً شكوراً " هذا في أمر الصلاة وحدها وفي أمر الصوم كان صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام الاثنين والخميس وكان يحافظ على صيام أيام البيض وكان يصوم شعبان إلا قليلاً منه

وكان كثير التلاوة لكتاب الله وقد يأمر أًصحابه بالقراءة عليه ليسمع القراءة من غيره

وكان صلى الله عليه وسلم لاهجاً بذكر الله كثيراً والاستغفار والتوبة "عن ابنِ عمرَ، قالَ: إن كنَّا لنعدُّ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في المَجلِسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ: ربِّ اغفر لي، وتُب عليَّ، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ "

لقد كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه وفي كل وقته يذكره في الصباح ويذكره في المساء ويذكره عند دخول المسجد وعند الخروج منه ويذكره عند نومه ويقظته ويذكره عند سفره ورجوعه لأهله ويذكره عند دخول السوق وعند الأكل والشرب وبعد الفراغ منهما وعند دخول الحمام وعند الخروج منه حتى أنه ألفت مؤلفات في جميع أدعيته صلى الله عليه وسلم في هذه المواضع ككتاب الأذكار للإمام النووي وكتاب الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية

إنك إذا نظرت أخي إلى هذا التطبيق العملي منه صلى الله عليه وسلم لم يسعك إلا أن تقول انه امتثل تماماً قول الله تعالى: بل الله فاعبد وكن من الشاكرين.

إن عبادة الله ليست دعوى تقال لأن الناس لا يقتنعون بالدعاوى المتناقضة مع السلوك بل إنهم يريدون نموذجاً حياً يتحرك

إن عبادة الله تعني إخضاع حياتك كلها لمنهج الله أن لا تتصرف في أمر إلا بعد أن تعرف أحلال أم حرام أيرضي الله أم يسخطه

أيثيب الله عليه أم يعاقب حتى تصوغ حياتك على هذا المنوال؛ لتكون عبداً حقيقةً لله عز وجل وحينئذ تقول إنني ولله الحمد أمتثل قول الله تعالى:" بل الله فاعبد وكن من الشاكرين "(الزمر 66) هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا الذي طالبنا الله بالتأسي به، فأين نحن منه أين تطبيقنا لمنهج الله وشرعه أين المصلون السابقون أين المتهجدون العابدون أين الصائمون القانتون أين المسبحون المهللون أين الحامدون الشاكرون

إن واقعنا أمر واضح ومكشوف كلكم يعرفه ولا يحتاج إلى أحد يشرحه له إن واقعنا هو حصيلة تصرفاتنا الفردية فلينظر كل واحد منا ما نصيبه من التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب.

حثوا النفوس وأيقظوا الهمم فإنها والله نعمت الحياة حياة امتلأت بالاقتداء بسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم وإنها والله بئست الحياة حياة صاغتها مشارب الهوى ولونتها خيوط الشهوات وإنها والله بئست القلوب تلك التي أعرضت عن أسوتها الوحيد صلى الله عليه وسلم.

جمع الله شمل الأمة على كلمة التوحيد وأصلح شأنها.

1435/5/1 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 1 =

/500