ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 329 الإسراء والمعراج

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 1 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1330 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

من الكرامات التي أكرم الله بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم الإسراء والمعراج قال سبحانه في كتابه الكريم: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "(الإسراء1)

أحبتي في الله؛

شاء الله أن يجعل الإسراء والمعراج من بيت المقدس ومجمع الأنبياء ليثبت في يقين الأمة الإسلامية ومشاعرها معنى الوحدة بين أرجاء الوطن المسلم ويرمز إلى الرباط الوثيق بين المسلمين أينما كانوا وبين معراج نبيهم الكريم

والإسراء والمعراج معجزة من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فجانب الإعجاز فيها أنها تخاطب دائماً العقل بعكس معجزات الأنبياء قبله حيث كانت تخاطب الجوارح فمعجزة موسى حين ألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين هي معجزة بصرية يرى المشاهدون حدوثها فتبهرهم وتؤدي بهم إلى الإيمان أو إلى العناد

معجزة عيسى في إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص هي أيضاً تؤدي بالناس إلى الاقتناع أو الإنكار، فأما معجزة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله سبحانه لم يرد لها هذا المستوى المادي وإنما جعلها تخاطب العقل وتثير التفكير فكانت آيات القرآن في إعجازها الخالد لكل الأجيال من البشر أعظم مصداق لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهي معجزة كما رأينا لا تنتهي بمجرد حدوثها شأنها شأن معجزات الأنبياء قبله ولكنها مستمرة متجددة أبدية إلى أن يقوم الناس لرب العالمين.

والقرآن أيها الأحبة هو المعجزة الكبرى الدالة على صدق النبوة ولزوم الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم فأما ما عداها من الأحداث والدلائل فقد كانت أحداثاً لها قيمتها في حياة النبي ولها حكمتها في تأييد الدعوة المحمدية وقد جهد النبي صلى الله عليه وسلم دائماً أن يصرف الناس عن أن يقفوا أمام المعجزة أو شبه المعجزة التي تخاطب الجوارح ومن ذلك ما حدث يوم مات ولده إبراهيم حين انكسفت الشمس فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا، وادْعُوا اللَّهَ."أخرجه البخاري، فإذا نظرنا إلى الإسراء والمعراج بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم قلنا إنه كان معجزة لأنه هو الذي أسري به وهو الذي عرج به إلى السموات العلا وهو الذي رأى ما رأى من عظمة الكون وحقائق الوجود فأما الناس فإنهم لم يرو شيئاً وإنما سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أخباراً بالغيب الذي لم يطلع عليه سواه وكان عليهم في هذا الوقت أن يصدقوا إن كانوا مؤمنين أو يبقوا على حالهم إن كانوا كافرين

وإن من المعاني التي تتصل بهذا الحدث الخالد توقيته الغريب فقد كان الإسراء بعد أن ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ثقيف يعرض عليهم الإسلام وبعد أن صبر على أذى قريش وظن أنه ربما يجد في الطائف من ينصره بعدما ضاقت به الحال عقب وفاة عمه أبي طالب وزوجه خديجة رضي الله عنها فقابلوه بالحجارة حتى دميت قدماه وبكى وحين خذلت ثقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع في حيرة من أمره فكان الإسراء والمعراج تثبيتاً وطمأنة له أن القدرة الإلهية كلها تقف بجانبه وأن عناية الله أرحم من أن تتركه ضحية للتآمر أو عرضة للانهيار مهما حدث من عناد المشركين فكأن قدرة الله تخاطبه في رحلته قائلة: يا محمد سوف تجتاز الصعاب برعايتنا ورحمتنا كما تتخطى الأرض والسموات بقدرتنا ورعايتنا.

والمعنى الثاني في الإسراء أنه تمحيص للمؤمنين وغربلة لضعفاء الإيمان وتنقية للصفوف وهذا هو معنى الفتنة الواردة في الآية الكريمة "أما الذين ءامنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون" وكانت هذه التصفية الربانية لعناصر الضعف في صفوف المؤمنين ضرورية استعداد لما قدره الله بعدها من بدء مرحلة جديدة في كفاح النبي وصحابته تبدأ بالهجرة وهي أعظم تضحية أقدم عليها المؤمنين جماعة وتثنى بالجهاد وتنتهي بالنصر الكامل " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ" (المائدة 3)

جعلنا الله من المقتدين بهديه

وبالله التوفيق

1435/5/1هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 8 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي