الدرس 331 الهجرة

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 1 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1747 القسم: الفوائد الكتابية

أيها الإخوة

أحييكم بتحية الإسلام الخالدة فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد؛

في تاريخ الأمم أحداث تطرأ عليها ويكون لها أثر بالغ في تطور حياتها وبقدر ما يكون لهذه الأحداث من أثر يكون شأنها وخطرها.

والمجتمعات لا يمكن أن تعيش في ضعف أبدا ولا يمكن أن تحيا مغلوبة على أمرها دائماً فالضعف ليس من صفات الإنسان الكامل، والذلة يأنف منها الرجل الفاضل، ولأن الإسلام لا يرضى لأبنائه حياة الضعف والهوان فهو ينعى عليهم الإخلاد إلى الأرض والتعلق بها والرضا بالواقع والاستسلام للظلم والأذى لذلك نرى القرآن الكريم يسجل بسوء العاقبة على من يرضون بالحياة الذليلة فيقول تعالى "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا * وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ."(النساء 97-100)

وإن من الأحداث التي أثرت في مسار الدعوة الإسلامية وغيرت من وجه التاريخ هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فلقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله على بصيرة ويهدي الناس إلى الحق في تؤدة ومهل ويمحوا آثار الجاهلية الطامة وما خلفته في العقول من خرافة وما تركته في القلوب من زيغ وهوى وفي الأعمال من رجس وفساد وظل هذا النبي الكريم يفك أغلال القرون الأولى ويعلي قدر الإنسان والإنسانية لا يعلوا قدرها بمظاهر فارغة ولا دعاوى تدعى بدون مضمون إنما يعلو قدر الإنسان إذا صفت نفسه واستنار طريقه وعمل لربه كما يعمل لنفسه وسعى لدينه كما يسعى إلى دنياه وتلك هي أهداف الإسلام التي يعمل من أجل تحقيقها وتوجيه الناس إليها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلفاً مألوفاً سهلاً واضحاً إلا أن خصوم الإسلام لجئوا إلى وسائل رخيصة في النيل من الدعوة وصاحبها لجئوا أولاً إلى التشويش على القرآن الكريم وإثارة الشغب في مجالس قراءته وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغو فيه لعلكم تغلبون ثم لجئوا إلى السخرية والإستهزاء من المسلمين إن الذين اجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون وإذا مرو بهم يتغامزون

ويتنوع الأذى على صحابة رسول الله وهم صابرون محتسبون حتى ارتفعت صرخاتهم إلى السماء " رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا "(النساء75) وكانت خاتمة الصراع بين جبابرة الوثنية وبين الحنيفية السمحة أن يدبروا مؤامرة لاغتيال محمد واجتمعوا في ليلة حالكة لانفاذ الفكرة الغادرة فترصدوا له بسيوفهم الآثمة فيا الله ! ما أجرم القوم! وما أهول الموقف لقد كان قلب الدهر خافقاً وعين الزمان ساهرة ولو تم للمشركين ما أرادوه تلك الليلة لقضي على هذه الدعوة وهي ما تزال في أول خطواتها ولا نطفأ ذلك النور الذي انبثق ليبدد ظلام العالم ولينشر الهدى والأمن والسلام لكن الله غالب على أمره وأين مكر القوم من رقابة الله "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ "(الأنفال30) علم الرسول بما بيته القوم المشركون فخرج ومعه صاحبه أبو بكر الصديق إلى غار في الجبل بأسفل مكة فدخلاه وبقيا به ثلاث ليال وقريش قد اسقط في يدها إذ لم تنجح حيلتها ولم تصل إلى ما تريد فجعلت مائة ناقة لمن يظفر بمحمد وصاحبه وكانت الفتاة الصغيرة أسماء بنت أبي بكر تروح عليهما كل مساء في خفاء تقطع في جوف الليل الطريق الشاق تحمل إليهما الزاد والماء وبلغ من شجاعة الفتاة أن يقابلها أبو جهل الأحمق فسألها ما شأن أبيها وأين هو فتتجاهل الأمر فيلطمها الأثيم على وجهها لطمة يطير لها قرطها من أذنها وهي مع هذا لا تبوح بمكنون سرها انطلق المشركون في كل مكان في الصحراء يبحثون عن محمد وصاحبه وعند الغار تنتهي آثار السير فأحدقوا به من كل جانب ويسمع أبو بكر رضي الله عنه وقع أقدامهم فيضطرب قلبه ويهمس في أذن الرسول صلى الله عليه وسلم إن قتلت أنا فإنما أنا رجل واحد وإن قتلت أنت هلكت الأمة إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يبقى ثابت الجنان واثقاً بنصر الله وتأييده معلقاً قلبه ببارئه وخالقه ويقول لصاحبه "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ معنَا. " (صحيح البخاري) وفي ذلك يقول القرآن الكريم "إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة 40)إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم" ورد الله الذين كفروا يغيظهم لم ينالوا خيراً فحيل بينهم وبين ما كانوا يريدون وارتدوا على أعقابهم خائبين ووصل الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى المدينة في حفظ الله ورعايته ويستقبله أهلها أكرم استقبال ويجد فيها قلوباً تفتحت لدعوة الحق فآزرتها وأيدتها وتكونت الدولة المؤمنة المجاهدة والأمة المتحابة المؤتلفة التي لا تعرف عصيبة لجنس أو لقبيلة فالجميع قد انصهر في بوتقة واحدة وأصبحوا جسماً واحداً وبناء متراصاً متحداً يعمل كل فرد فيه لخير هذا المجتمع ولإعزاز هذا الدين وأحب أهل المدينة إخوانهم المهاجرين وآثروهم على أنفسهم وزكى القرآن الكريم صنيعهم حيث قال تعالى "والذين تبوء الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.

جعلنا الله من الهاجرين للمعاصي.

1435/5/1 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 1 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي