الدرس 165:باب ما جاء في منكري القدر (3)

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 22 ربيع الثاني 1435هـ | عدد الزيارات: 1790 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قول المصنف :" وقال ابن عمر: والذي نفس ابن عمر بيده لوكان لأحدهم مثل أحد ذهباً ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم :الإيمانُ "أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، " رواه مسلم.

قوله :"وقال ابن عمر" هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

قوله :"والذي نفس ابن عمر بيده" أقسم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بالله ؛ لتأكيد الأمر وأهميتِه.

قوله:" لوكان لأحدهم مثل أحد ذهباً ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر" هذا مقسم عليه، وسبب مقالة ابن عمر هذه أنه لمَّا وُجِدَ في آخر حياته مَن ينكر القدر وسُئل عن ذلك أجاب بهذا الجواب . وذلك أنه ظهر - بالبصرة في آخر عصر الصحابة بعد عهد الخلفاء الراشدين وعهد معاوية ابن أبي سفيان ، رضي الله عنهما، وفي آخر حياة ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة ، - ظهر بالبصرة رجلٌ يقال له : معبد الجهني ينكر القدر ، وكان يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري لما ظهرت هذه المقالة بالبصرة قدما إلى الحجاز حاجين أومعتمرين وقالا : سنسأل أول من نلقى من الصحابة ، فكان أول من لقيا عبد الله بن عمر . وقد وفقهما الله لهذا الصحابي العالم الجليل لقياه وهو يدخل المسجد الحرام فأمسكا بكتفيه وقالا يا أبا عبد الرحمن حدث عندنا في البصرة رجل يقول كذا وكذا ، فكان جوابه رضي الله عنه أنه أقسم بالله لو كان لأحدهم - أي هؤلاء الذين ينكرون القدر - مثل أحد ذهبا ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، هذا قول ابن عمر لغلاة القدرية الذين أنكروا أن يكون الله تعالى عالماً بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم ، وإنما يعلمها بعد كونها منهم .

قال القرطبي " ولا شك في تكفير من يذهب إلى ذلك فإنه جحد معلوم من الشرع بالضرورة؛ لذلك تبرأ منهم ابن عمر وأفتى بأنه لا تقبل منهم أعمالهم ولا نفقاتهم وأنهم كمن قال الله فيهم "وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ "(التوبة 54) .

وقوله: ثم استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم :الإيمانُ "أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، "، ذكرستة أركان للإيمان، فأركان الإيمان:

- الإيمان بالله: وهو التصديق اللازم لوحدانية الله جل وعلا واستحقاقه للعبادة وحده لا شريك له، وذلك يشمل أنواع التوحيد الثلاثة: الإيمان بتوحيد الربوبية ، والإيمان بتوحيد الألوهية والإيمان بتوحيد الأسماء والصفات، فمن جحد نوعا من هذه الأنواع لم يكن مؤمنا بالله جل وعلا.

- الإيمان بالملائكة: تؤمن أن لله ملائكة خلقهم من نور، خلقهم لعبادته، " يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ" (الأنبياء 20)، ينفذون أوامر الله في ملكه، كل نوع من الملائكة له عمل خاص في هذا الكون يأمر الله تعالى به، فمنهم الموكل بالوحي ،وهو جبريل عليه السلام، ومنهم الموكل بإنزال المطر وهو ميكائيل ، ومنهم الموكل بالنفخ في الصور وهو إسرافيل، ومنهم الموكل بالأجنة في البطون.وهو الملك الذي يأتي للجنين في بطن أمه بعد إكمال الشهر الرابع فينفخ فيه الروح ، ثم يؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ومنهم الموكل بحفظ أعمال بني آدم خيرها وشرها، وكتابتها، قال تعالى :"وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)" (الإنفطار)، ومنهم الموكل بحفظ بني آدم من المؤذيات، قال تعالى" لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ "(الرعد 11)، إلى غير ذلك من الأعمال التي لا يعلمها إلا الله.

- الإيمان بالكتب: وهي الكتب التي أوحاها الله تعالى إلى رسله، مثل التوراة والأنجيل والقرآن والزبور، وصحف إبراهيم، إلى غير ذلك من الكتب التي أنزلها الله على رسله بواسطة جبريل عليه السلام فيها أوامر الله ونواهيه لإصلاح البشرية، فمن لم يؤمن بالكتب جميعها فهو كافر" قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " (البقرة 136) .
وبالله التوفيق.

1435/4/22 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي