الدرس المائة : حكم الهدايا وقبولها

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 1 صفر 1435هـ | عدد الزيارات: 2149 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الحديث الذي في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أعطاه غلاما فقالت أمه لا أرض حتى يشهد رسول الله عليه الصلاة والسلام فذهب بشير بن سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما فعل فقال "أكل ولدك أعطيته مثل ما أعطيت النعمان " فقال لا ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" فدل ذلك على أنه لا يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطايا و تخصيص بعضهم بها فكلهم ولده وكلهم يرجى بره فلا يجوز أن يخص بعضهم بالعطية دون بعض واختلف العلماء رحمة الله عليهم هل يسوى بينهم ويكون الذكر كالأنثى أم يفضل الذكر على الأنثى كالميراث على قولين لأهل العلم والأرجح أن العطية كالميراث وأن التسوية تكون بجعل الذكر كالأنثيين فإن هذا هو الذي جعل الله لهم في الميراث وهو سبحانه الحكم العدل فيكون المؤمن في عطيته لأولاده كذلك كما لو خلفه لهم بعد موته للذكر مثل حظ الأنثيين هذا هو العدل بالنسبة إليهم وبالنسبة إلى أمهم وأبيهم وهذا هو الواجب على الأب والأم أن يعطوا الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين وبذلك يحصل العدل والتسوية كما جعل الله ذلك في الميراث وهو عدل من أبيهم وأمهم

إذاً ليس للوالد أن يخص بعض أولاده بشيء إلا برضا الباقين المكلفين المرشدين في أصح قولي العلماء

وهكذا إن كان في أولادك من هو مقصر عاجز عن الكسب لمرض أو علة مانعة من الكسب وليس له مرتب من الدولة يقوم بحاجته فإنه يلزمك أن تنفق عليه قدر حاجته حتى يغنيه الله عن ذلك

ونكرر لا يجوز له أن يخص بعضهم بشيء دون البقية إلا برضى المحرومين إذا كانوا مرشدين ولم يكن رضاهم عن خوف من أبيهم بل عن نفس طيبة ليس في ذلك تهديد ولا خوف من الوالد وعدم التفضيل بينهم أحسن بكل حال وأطيب للقلوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" متفق على صحته

فليس للوالد أن يخص بعض أولاده بشيء من المال على سبيل التخصيص والإيثار لقول النبي صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" رواه البخاري ومسلم لكن إذا كان بعض الأولاد في حاجة أبيه وبعضهم قد يخرج عنه فإنه يجوز للوالد أن يجعل لابنه المطيع القائم بأعماله راتبا شهريا أو سنويا بقدر عمله كالعامل الأجنبي أو أقل مع مراعاة نفقته إذا كان ينفق عليه وليس في هذا ظلم لبقية الأولاد لكونهم هم الذين تباعدوا عن والدهم ولم يقوموا بحقه

وجماع هذا الأمر باختصار أنه يجب على الولد بر والديه والإحسان إليهما وشكرهما على عملهما العظيم والسمع والطاعة لهما في المعروف ويجب على الوالد لولده الإنفاق عليه حتى يبلغ رشده ويستطيع الكسب والعمل أو يستغني عن إنفاق والده عليه بإرث أو وقف أو إنفاق من بيت المال أو من بعض المحسنين ويلزم الوالد أيضا توجيه ولده وتعليمه ما ينفعه دينا ودنيا وتربيته التربية الإسلامية حسب الاستطاعة

فإذا كان له أولاد فليس له أن يعطيهم متفاوتين أو يعطي بعضهم ويترك بعضا بل لا بد من العدل سواء تسمى هدية أو تسمى عطية كله سواء لا بد من العدل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" رواه البخاري وقال "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء " قال نعم قال فهكذا يجب أن تعدل بينهم" وجاء بشير بن سعد الأنصاري فقال أعطيت الولد غلاما فقال صلى الله عليه وسلم:" أعطيت أولادك كلهم قال لا قال رده ".

لا بد من التسوية والعدل في العطية بين الرجال والنساء للذكر مثل حظ الأنثيين كالإرث ولا يوصى لهم أيضا لا بد أن يكونوا سواء في العطية لا يخص أحدا دون أحد ولو كان بعضهم أبر به أو فقيرا فإنه يجزيه حقه الذي كتب الله له من الإرث لكن النفقة لا بأس إذا كان عنده عيال صغار ينفق عليهم وكبار مغنيهم الله من فضله لا ينفق عليهم فالنفقة واجبة عليه على الصغار الفقراء أو على غيرهم من الفقراء إذا كان أولاده بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء يجب أن ينفق على الفقراء حتى يغنيهم الله ولا في هذا تعديل لأن هؤلاء نفقتهم واجبة لفقرهم

ولا يجوز لأحد أن يخص أولاده الذكور بشيء من المال

وكذا الواجب على الأبناء أن ينفقوا على أبيهم إذا كان فقيراً وهم قادرون فإن تنازعوا فالمرجع المحكمة

وكانت هذه إجابة على نص السؤال الذي ذكر فيه: أن لديه مال قسمه على الأولاد دون الإناث والزوجات وبعد تملك الأولاد تخلو عن أبيهم وأصبح فقيراً لا يستطيع أن ينفق على نفسه وزوجاته

إذا حكم شخصان ثالثاً بينهما في مال فأخذ منه شيئاً بإذنهما وموافقتهما فلا أعلم فيه بأساً بل هو هبة منهما له

أما إن شرط عليهما أن لا يحكم بينهما إلا بجعل فهذا في حله نظر وتفصيل

س: حكم قبول الهدايا للمدرسات ؟

ج: الواجب على المعلمة ترك قبول الهدايا لأنها قد تجرها إلى الحيف وعدم النصح في حق من لم يهد لها والزيادة بحق المهدية والغش فالواجب على المدرسة أن لا تقبل الهدية من الطالبات بالكلية لأن ذلك قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه والمؤمن والمؤمنة عليهما أن يحتاطا لدينهما ويبتعدا عن أسباب الريبة والخطر أما بعد انتقالها من المدرسة إلى مدرسة أخرى فلا يضر ذلك لأن الريبة قد انتهت حينئذ والخطر مأمون وهكذا بعد فصلها من العمل أو تقاعدها إذا أهدوا إليها شيئا فلا بأس

جواز قبول الهدية بعد الفراغ من العمل

إذا كانت الهدية بعد الفراغ من النظر في درجاتهم وبعد الفراغ من الشهادات وبعد الانتهاء من العمل في هذه الجمعية فلا حرج في ذلك لعموم الأدلة على شرعية قبول الهدية

تحريم الهدية على سبيل الرشوة لمدير المستشفى

س: حكم من يسلم أشياء ثمينة بدعوى أنها هدية لمن يرأسه في العمل ؟

ج: هذا خطأ ووسيلة لشر كثير والواجب على الرئيس أن لا يقبل الهدايا فقد تكون رشوة ووسيلة إلى المداهنة والخيانة إلا إذا أخذها للمستشفى ولمصلحة المستشفى لا لنفسه ويخبر صاحبها بذلك فيقول له هذه لمصلحة المستشفى لا آخذها أنا والأحوط ردها ولا يقبلها له ولا للمستشفى ذلك قد يجره إلى أخذها لنفسه وقد يساء به الظن وقد يكون للمهدي بسببها جرأة عليه وتطلع لمعاملته أحسن من معاملة غيره لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث بعض الناس لجمع الزكاة قال هذا لكم وهذا أهدي إلي فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وخطب في الناس وقال "ما بال الرجل منكم نستعمله على أمر من أمر الله فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي ألا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر هل يهدى إليه" أخرجه البخاري ومسلم

وهذا الحديث يدل على أن الواجب على الموظف في أي عمل من أعمال الدولة أن يؤدي ما وكل إليه وليس له أن يأخذ هدايا فيما يتعلق بعمله وإذا أخذها فليضعها في بيت المال ولا يجوز له أخذها لنفسه لهذا الحديث الصحيح ولأنها وسيلة للشر والإخلال بالأمانة ولا حول ولا قوة إلا بالله

تحريم الرجوع في الهبة أو شرائها: وهبت ابن أخي بعض إبلي ثم اشتريتها منه ؟

ج: عليك عدم العود فيها ولو بالثمن لما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له صلى الله عليه وسلم "لا تعد في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم" رواه البخاري

وقال عليه السلام "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" رواه البخاري

وقال عليه الصلاة والسلام "لا يحل للرجل أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" رواه أحمد

فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على تحريم الرجوع في الصدقة والهبة ولو بالثمن

س: حكم من رجع في هبته ؟

ج: حكمه أنه آثم وعليه التوبة من ذلك ورد الهبة إلى صاحبها

وهذا جواب على سؤال السائل الذي أعطى رجلاً مبلغاً من المال على سبيل الهبة ثم رجع فيه

س: هل يجوز للوالد استعادة ما سبق وأعطاه لابنه ؟

ج: يجوز ذلك إذا رأى المصلحة في ذلك واستطاع الابن ردها على والده لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" رواه أحمد وأبو داود والترمذي

ولا يجوز للولد أن يطالب والده بإنفاذ عطائه له مكرهاً والده على ذلك لأن ذلك من العقوق والله سبحانه قد حرم العقوق وجعله من كبائر الذنوب

ولا حرج في أخذ ما يدفع لليتيم من الصدقات إذا كانت مثل النفقة عليه أو أقل أما ما زاد على ذلك فيحفظ له وأبشروا بالأجر الجزيل على حضانته والإحسان إليه

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1435-2-1هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي