الدرس الثامن والتسعون: الطلاق

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 30 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 3138 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الطلاق على عوض يعتبر بينونة صغرى لا يملك معها المطلق الرجعة ولكنه يجوز له العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا إذا كان لم يطلقها قبل ذلك طلقتين

والطريقة المشروعة في الطلاق هي أن يطلق الرجل زوجته طلقة واحدة حال كونها حاملا أو في طهر لم يجامعها فيه لقول الله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ" وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ من ذلك وقال:" مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" وفي رواية لمسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا"

والطلاق بالثلاث بكلمة واحدة يعتبر طلقة واحدة في أصح قولي العلماء لما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" كان الطلاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنهما طلاق الثلاث واحدة فقال عمر رضي الله عنه إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم" فيتضح من هذا أن إمضاءها كان باجتهاد عمر رضي الله عنه والأخذ بالسنة الصحيحة أولى من الاجتهاد من عمر وغيره وأرفق بالأمة وأنفع لها ويؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند بسند جيد عن ابن عباس" أن أبا ركانة طلق امرأته ثلاثا فحزن عليها فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنها واحدة "

والطلاق في حال الغضب الشديد لا يقع سواء كان ثلاثا أم واحدة في أصح قولي العلماء إذا ثبت ما يدل على صحة الدعوى من ظاهر الحال التي نشأ عنها الطلاق أما إن كان الغضب أفقده شعوره حتى لم يعرف ما وقع منه فإنه لا يقع الطلاق منه إجماعا كالمجنون والسكران غير الآثم أما السكران الآثم فالأصح عدم وقوع الطلاق منه في حال سكره وتغير عقله كما أفتى بذلك عثمان رضي الله عنه وذهب إليه جمع من أهل العلم وهو مقتضى الأدلة الشرعية

وأما الحلف بالطلاق فقد كنت فيما مضى أفتي بالوقوع ثم ظهر لي أخيرا من نحو سنة أو أكثر قليلا عدم الوقوع وأفتيت بذلك مرات كثيرة إذا كان المطلق لم يرد إيقاع الطلاق عند وقوع الشرط , وإنما أراد معنى آخر من حث أو منع أو تصديق أو تكذيب , ولا يخفى أن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما

وأما طلاق الغضبان فالذي أفتي به الوقوع ما لم يشتد حتى يغير الشعور أو يذكر المطلق أنه لا يعلم ما وقع منه إلا بقول الحاضرين معه

وإذا قال لزوجته إذا شربت الدخان لمدة سنة فزوجتي طالق واحدة ثم شربه ثم حلف بالطلاق أن لا يكلمها خمسة عشر يوماً فكلمها فإذا كان قصده منع نفسه من الدخان وفي المرة الثانية منع نفسه من كلامها وليس مقصوده الطلاق ولم تطب نفسه بطلاقها ذلك الوقت عند وقوع الشرط كما هو الظاهر في حاله وحال أكثر الناس فإن الطلقتين المعلقتين على الشرطين لم تقعا لكونهما لم تقصدا في الحقيقة وإنما قصد منع النفس من الدخان والكلام وعليه كفارتا يمين عن شربه الدخان وعن تكليمه أهله

إذا طلق كتابه لا لفظاً فهو طلاق شرعي موافق للسنة وطلاق الهازل يقع لكون الطلاق هزله كجده

وبالإجابة على سؤال السائل الذي قال لزوجته تقلعى تراك ما أنت بذمتي ثم قالت له ما يكفي قال لها تراك بستين طلقة فقد وقع على زوجته طلقتان إحداهما بقوله لها ما أنت بذمتي والثانية بقوله تراك بستين طلقة ويبقى لها طلقة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن طلاقه الثاني يعتبر طلقة واحدة لأنها في حكم الكناية والراجح أن الكنايات لا يقع بها إلا واحدة.

س: قلت لزوجتي روحي إلى أهلك واعتبري نفسك مطلقة والله ما ترجعين لي مرة أقصد بذلك تبعد عني وقت الغضب والفرار من الطلقة الثالثة ؟

ج: قد بانت منك وحرمت عليك حتى تنكح زوجا آخر لأنك طلقتها بالثلاث كل واحدة على حدة وقولك في الطلقة الأخيرة إنك لم تقصد الطلاق لا يستقيم لأنك قلت لها : روحي إلى أهلك واعتبري نفسك مطلقة وهذا صريح في الطلاق والنية إذا خالفت الصريح لا تقبل دعواها

وإذا قال الزوج لأبي الزوجة خذها وعفشها لأن نفسي طابت منها هذا قوله له وهو لم يقصد بذلك الطلاق وإنما أراد بذلك بقاءها عند أبيها ليربيها وينصحها فلا يقع الطلاق لأن اللفظ المذكور ليس صريحا في الطلاق والزوج أعلم بنيته

وإذا قال الزوج لزوجته طالقة طالقة طالقة ولم يقصد الثلاث ولا غيرها فتعتبر طلقة واحدة ويعتبر اللفظ الثاني والثالث مؤكدين للفظ الأول وعليه كفارة الظهار حين قال محرمة وهو غاضب فإذا قال علي الطلاق لا تفعل كذا ومراده منعها من الفعل وفعلت عليه كفارة يمين ونص أهل العلم إذا ذكر الطلاق ثلاثاً ولم ينو شيء تحسب واحدة

فإذا كرر الطلاق ثلاثاً من شدة الغضب ولم يرد الثلاث فتعتبر واحدة والثانية والثالثة مؤكدة للأولى والقول قول الزوج في ذلك فقد صرح بذلك أهل العلم وكما في الشرح الكبير والكشاف وغيرهما وأما قوله وحارمة علي فعليه كفارة الظهار

وإذا قال لزوجته طالق ثم طالق وقع على زوجته طلقتان

وقد دلت الأدلة الشرعية على أن شدة الغضب تمنع اعتبار الطلاق ومن ذلك الحديث المشهور الذي رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" والإغلاق هو الإكراه والغضب الشديد كما فسره بذلك جمع من أهل العلم

وبذلك يعلم أن الغضبان له ثلاث حالات

إحداها: يقع فيها الطلاق إجماعا وهي ما إذا كان الغضب عاديا لا يوصف بالشدة

الثانية: لا يقع فيه الطلاق إجماعا وهي ما إذا كان الغضب قد اشتد حتى زال معه الشعور وصار صاحبه في عداد المعتوهين

والثالثة: ما بين ذلك وهي محل الخلاف والأرجح فيها عدم الوقوع لأن الغضبان إذا اشتد به الغضب لم يضبط نفسه ولم يملك القدرة على عدم إيقاع الطلاق لأن شدة الغضب تلجئه إلى إيقاعه ليفرج عن نفسه ما أصابها ويدفع عنها نار الغضب فهو بمثابة المكره

وقد ذكر هذه الأحوال الثلاث جمع من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما واختارا عدم الوقوع في الحالة الوسطى وألحقا صاحبها بالمكره وبمن زال عقله

فهذا الرجل الذي طلق زوجته في حالة غضب لكنه ليس بذلك الغضب الذي يفقده الشعور ولكن كان منفعلا انفعالا زائدا بسبب الكلام الذي أسمعته إياه زوجته فلا يقع

وهذا الرجل الذي طلق زوجته بعد أن غضب غضباً شديداً وأنه إذا غضب فقد شعوره لا يقع منه الطلاق

والتطليق بالثلاث لا يجوز

وإذا قال لزوجته أنت طالق بالثلاث أنت طالق بالثلاث وقع على الزوجة طلقتان لأنه كتب ذلك في ورقتين

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه

هذا وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1435-1-30هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 120 الجزء الثالث ‌‌حكم الإسلام في إحياء الآثار - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر